مرت أمس ذكري هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم من مكة التي حاصرته في جبالها لتقتل الدعوة في مهدها وتمنعها من الخروج إلي ما حولها من قبائل الجزيرة العربية وبالتالي وصولها إلي العالم الخارجي. ولم يكتف المكيون بالحصار الجغرافي للفئة المؤمنة وانما أطلقوا حول المؤمنين سياجا من الشائعات لحجب الناس عن أولئك الذين يصل تأثيرهم الفوري إلي القلوب فحذروا الناس مما يلحق بهم من جنون ومس شيطاني إذا ما التقوا بهذا المسحور الذي يفرق بين الرجل وزوجه والرجل وولده لكن المؤمنين بالحق الذي يعتنقونه ازدادوا تمسكاً بما يؤمنون وادركوا كلما زاد الحصار قيمة النور الذي يملأ قلوبهم ورعب اعدائهم من هذا النور "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء".
ألسنا في هذا الحصار وان كانت الجغرافيا التي نحاصر فيها أوسع من مكة والوسائل التي يتم بها حصارنا مختلفة بعض الشئ.
أليس سياج الشائعات الذي أحيط به المؤمنون في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم هو نفسه الذي نعيشه من قرآن يدعو إلي الإرهاب ورسول دموي وشريعة تدعو إلي القتل وجهاد لا يعرف إلا قتل الآخر ودعوي للعالم كله للقضاء علينا أو تغيير قرآننا وسنة نبينا وكلام كثير يتجاوز المجلدات الكبيرة إذا ما جمع..؟
ألسنا في حصار حقيقي بما يزج الينا من فتاوي شديدة الغرابة لا يقبلها عقل ولا منطق وتنتشر انتشار النار في الهشيم فضلا عن الالحاد الممول والمعد فكريا وماليا.
ألا يحتشد العالم علنا ضد كل ما هو اسلامي ليحاسبه علي أدني خطأ ويدع الاقليات الاسلامية في ابادة علنية دون ان يطرف له جفن أو يتحرك أي حركة لصالح هذه الأقليات.
اذن نحن في الحصار المكي وعلينا ان ندرك اننا قادرون علي الخروج من هذا الحصار إذا ما تسلحنا بما تسلح به المؤمنون الأوائل من ثبات علي ديننا وصبر علي المعاناة والتخلي عن نفاق اعدائنا والاجتهاد للخروج مما نحن فيه.
وإذا كان الرسول والمؤمنون قد هاجروا بدينهم فهجرتنا اليوم هي العودة إلي ديننا وقيمه والتمسك به والأخذ بأسباب العلم حتي نواجه هذا الحصار فالحصار ليس حصار مكان وانما هو الحصار الذي يستهدف الهوية ليذيبها فنصبح مسلمين بلا إسلام كما هو حادث في كثير من الأمور.
والحصار حصار زعزعة للايمان وتشكيك في النور ليقضي العدو علينا من داخلنا وها نحن نقتتل فيما بيننا بلا أسباب واضحة وبلا إدراك لما أوصلنا إلي هذه الحال والعدو يراقب تفككنا ويجتهد في توسيع الهوة ويلقي بالزيت علي النار.
اننا في حاجة ماسة إلي هجرة لما نحن فيه تخرجنا خلقاً جديداً بعزائم جديدة بثقة جديدة فيما نملك بمقاومة جديدة لاعدائنا الحقيقيين فنعيد الهيبة لأمتنا تلك الهيبة التي سقطت فتداعت علينا الأمم وتعامل العالم بندية قوامها الحق والعدل وعدم الخضوع. كما فعل رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه فهل نستطيع..؟