المصريون
د . جمال المنشاوى
أنا أعارض.. فهل ستسحبون جنسيتي المصرية ؟
جنسية الإنسان مرتبطة بالمكان الذي وٌلِد فيه, وتربي في كنفه, وله ذكريات مختزنه في عقله ووجدانه, طفولته, شبابه, أصدقاؤه, أقرباؤه، شارعه, والحي الذي نشأ فيه, حتى لو اكتسب جنسية أخرى بخلاف منشأه لظروف عارضة أو طارئة, فإنه يظل مشدوداً بخيط الحنين إلي منشأه, لذا فقرار نزع هذه الجنسية من إنسان يعتبر ضربة قاصمه له, وتعدياً علي تاريخه ووجدانه وإنسانيته, وحقيقة الأمر لا أعلم دولة أوربية نزعت جنسية أحد أبنائها الأصليين, يعني إنجليزي, أو فرنسي, أو إيطالي, أو غيرهم, قد تنزع جنسية صاحب جنسية ثانية اكتسب جنسية بلادهم بطول الإقامة أو الزواج من إمرأة من بلدهم, لكن أصلياً لا أعلم, ولذا عندما أصدر مجلس الوزراء المصري قانوناً يحدد فيه أسباب نزع الجنسية من المصري الذي ينضم إلي أي كيانات, أو منظمات, أو هيئات أياً كانت تهدد النظام العام للدولة, أصابتني الدهشة لأن القانون فضفاض ومطاط وحمّال أوجه, يمكن تفسيره علي كل الوجوه, واستخدامه عند الحاجة, وتسخيره للتنكيل بكل من يجرؤ علي المعارضة أو الانتقاد, فكما يقولون الشيطان يكمن في التفاصيل, فتفاصيل وطريقة تطبيق هذا القانون ستفتح أبواب الشياطين لكل من يريد تجريم الآخرين وتشويه سمعتهم وسحب جنسيتهم, وبمزيدِ من التفصيل تعالوا نتأمل حال أغلب المصريين الذين يندفعون وراء السلطة ويتمسحون بها, من أيام عبد الناصر الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب, والسادات الحزب الوطني والذي كان جُل أعضائه من حزب مصر والذين هرولوا للانضمام إليه بمجرد إعلان السادات تأسيسه, وامتدت عضويتهم له في عصر مبارك, ثم الحرية والعدالة الذي هرول إليه الكثير من الناس بعد ظهور مؤشرات لسيطرة الإخوان علي الحكم, واندفاعهم للانضمام له طمعاً في مكاسب ومناصب دون أن يكونوا فعلاً من أعضاء الإخوان الأصليين, فهؤلاء سيقعون تحت تفسير الانضمام لجماعة أو حزب يعمل علي تقويض نظام الدولة باعتبار الإخوان الآن قد أفل نجمهم, وتشتت كيانهم, وصُنفوا كجماعة إرهابية, وأصبح أغلب قادتها مُطاردين بالخارج, وأصبح الاقتراب منهم كمن يجني علي نفسه ويلسعها بالنار, وأعتقد أن القانون مصنوع خصيصاً لهؤلاء, لكن سيصيب رذاذه وشظاياه الكثير من الأبرياء, ولو اعتبر القانون أن كل من يًعارض يقوض نظام الحكم فسيتعرض الجميع للوقوع تحت طائلته, وعلي المستوي الشخصي ومثلي الكثير ممن يعارضون كثيراً من القرارات التي تصدر ’سيكونون عرضةً يوماً ما لتفسيرات هذا القانون بالحق أو بالباطل, فأنا مثلاً أعارض الاستثمار في الحجر وأعتقد أن الأولي و الأفضل الإستثمار في البشر, فلا يعقل أن نبني عاصمة إدارية جديدة تتكلف المليارات, ونترك ثلثي القرى المصرية دون صرف صحي ودون مياه نقية ودون شوارع آدمية, ودون مراكز صحية أو مستشفيات ويعاني أغلب سكانها من ثالوث الفقر والجهل والمرض, ناهيك عن تدني الخدمات في أغلب محافظات مصر, وغياب البنية التحتية بها, ولا يعقل أن نأخذ مدخرات المصريين في تفريعة تكلفنا 20مليار فنسحب 64 مليار ونقول إننا أردنا رفع الروح المعنوية للمصريين !, وأنا أعارض تماماً تسليم السعودية جزيرتي تيران وصنافير , إذعاناً لحكم تاريخي من المحكمة الإدارية العليا, وإفتئات واضح من السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية, وأنا أعارض كل حالات التضييق علي حرية الرأي والتعبير الموجودة الآن من حجب المواقع والصحف وتأميم الفضاء بشراء القنوات من هيئات سيادية, مما يؤدي إلي تكميم الأفواه ودخول البلاد في خطر الكبت المؤدي إلي الإنفجار, وأنا أعارض قانون التصالح مع الفاسدين المفسدين من نظام مبارك وأتباعه الذين نهبوا ثروات البلاد , وهربوا المليارات ويلقون للشعب بالفتات, ولا ندري لمصلحة من هذا؟! , ثم ندعي الفقر ونطالب الناس البسطاء (بالفكه ) و(صبح علي مصر بجنيه!), وأنا أعارض رفع الأسعار علي الناس بهذه الطريقة الجنونية حتى تم سحق الطبقة المتوسطة ذات المرتبات الثابتة, وهي الكتلة الحرجة في الحفاظ علي إستقرار وتوازن المجتمع, وأنا أعارض إنخفاض ميزانية التعليم والصحة لأدني مستويات عالمية, مما يساهم في بقاء مجتمع جاهل وإن ذهب للمدرسة لرداءة مستوي المناهج وعدم وجود خطة علمية سليمة للنهوض بمستوي التعليم الذي يخرج جهالاً يقرأون ويكتبون بالعافية, وكذلك الصحة التي تعاني من قلة الإمكانيات فلا تأمين صحي يكفل العلاج للجميع دون تفرقة ودون نداءات للرئيس للمعالجة علي نفقة الدولة, لأن هذا واجبها من الأساس وليس مِنّه أو فضلاً من أحد, لقد وصل الأمر بأن المستشفيات الحكومية لا يوجد بها القطن والشاش والسرنجات , ويقوم المريض بشرائها علي حسابه مما يدفعه لفقد أعصابه والهجوم علي الأطباء بصورة متكررة, والإنسان المريض الفقير يكلف الدولة كثيرا لأنه يكون عبئا عليها وعلي أهله, ولا نغفل هنا نجاح مشروع علاج فيروس سي بصورةِ باهرة, وكان من المفروض البناء عليه في إصلاح المنظومة الصحية برمتها, وهذا يعود علي طريقة التفكير ومنهجيته وتحديد أولوياته, وهذا ما نحس أنه مفقود, وندعو لتغييره , ونكرر مرة أخري أن الإستثمار في البشر أولي من الإستثمار في الحجر, وهذا ما فعلته الدول التي تقدمت وأصبحت من النمور الاقتصادية.
إن مصر مُعرضه بتطبيق هذا القانون إلي خلق طائفة كبيرة جدا من (البدون ) أي بدون جنسية, كثير منهم بالداخل وهم من سيعانون وقليل منهم بالخارج, سينعمون بطلب اللجوء لأوربا, وأخذ جنسياتها, وهناك يتمتعون بحرية الحركة ويزدادون شراسة في محاربة النظام, فيكون قد جني علي نفسه وصعد أعلي المبني ورمي سلم النزول .
في النهاية هل سيعتبر النظام هذا المقال تحريضاً وتقويضاً له فيحرك دعوى سحب الجنسية, أخشي أن يفعلها .!
دكتور جمال المنشاوي
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف