محمود سلطان
داروين وأنور الهواري.. علام الصدمة يا زميل؟!
الزميل الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ أنور الهواري، كتب على "فيس بوك" معبرا عن صدمته مما ذكره الأستاذ حافظ الميرازي بأن دولا إسلامية، تمنع تدريس نظرية النشوء والارتقاء لداروين، كونها تتناقض مع القرآن المجيد، وذكر نصوصا منسوبة إلى ابن خلدون، تبدو وكأنها تتطابق مع نظرية داروين.
في السياق.. فإن كتاب داروين (1809ـ1882)عن أصل الأنواع، والذي ظهر عام 1859، يحتل منزلة ربما تكون أكثر قداسة عند جماعات المصالح "اللوبي" في العالم الغربي المسيحي، من الكتاب المقدس ذاته!
الولايات المتحدة الأمريكية "الرسمية"، على سبيل المثال، ترفض بشكل قاطع أية نظرية تنتهك حرمة "النشوء والارتقاء" كما وضعها داروين، كان آخرها إجهاض طلب تدريس نظرية "التصميم الذكي" جنباً إلى جنب مع "أصل الأحياء" في المدارس الأمريكية، ولو من باب "حرية التعبير"!
وفي عام 2004 صادرت فرنسا العلمانية، "أطلس الخلق"، الذي ينقض نظرية داروين. ودول الاتحاد الأوروبي على وجه الإجمال تفرض حماية صارمة على النظرية، ولا تقبل المسَّ بمضمونها أو التشكيك بصحتها!
وكالة الأنباء البريطانية (رويتز) نقلت في 3 فبراير 2007 عن مسؤولة بوزارة التربية والتعليم الفرنسية قولها "طلبنا منهم ـ تقصد مديري المدارس ـ الاحتراس؛ لأن هذا الكتاب يتناول نظريات لا تتماشى مع ما يتعلمه الطلبة... تعليمنا يعتمد على نظرية النشوء والارتقاء. هذه الكتب ليس لها مكان في مدارسنا"!
فرنسا ـ الرسمية وبلد التنوير ـ اعتبرت "أطلس الخلق" اختراقاً إسلامياً للثقافة الفرنسية التي تأسست على فكرة "البقاء للأقوى"، وجيّشت المنشورات، وأقامت غرف المتابعة، وأعلنت حالة الطوارئ في المدارس الفرنسية لمواجهة "كتاب علمي" يحمل وجهة نظر مغايرة بشأن نظرية الخلق!
لو حدث ذلك في أي بلد إسلامي، لانبرى مدّعو "التنوير" في تقطيع ملابس الوزير المسؤول عن قرار المصادرة، ولاعتبروه "ظلامياً" و"رجعياً"، وربما دُبّجت
المقالات التي تحرّض على وزارته، واتهامها بأنها تحوّلت إلى مرتع للإرهابيين الإسلاميين، وربما طلبت من أجهزة الأمن أن تعيد البحث في السيرة الذاتية لكبار مسؤولي الوزارة؛ فلربما يكون بعضهم ينتمي إلى التيارات الإسلامية المتطرفة!
كان غريباً إلى حد الدهشة، أن يتشدد الغرب المسيحي "الرسمي" في التمسك بالتفسير الحرفي للداروينية، على الرغم من أنها لا تزال عند حدود "النظرية" التي لم ترق إلى درجة "الحقيقة" العلمية!
إن هدم هذه النظرية، يعني تقويض الأساس الأخلاقي والتسويغ "العلمي" الذي قامت عليه الحضارة الغربية، سواء على صعيد تطورها وحراكها الداخلي، أو على صعيد نظرتها وفهمها للعالم من حولها.
فالداروينية هي التي سوّغت "تميّز" العنصر الغربي واستعلائه على الآخر على أساس أنه الأفضل، ووفّرت له الغطاء الأخلاقي، لاستعمار مناطق شاسعة من العالم واستنزاف موارده، على أساس أن القانون الحاكم المطلق للعالم، يقوم على "الانتقاء الطبيعي": الفرز الطبقي والاجتماعي و العرقي والسلالي، وأن الطبيعة تتجه نحو تنظيف المجتمع من الفقراء والضعفاء وتخليص العالم منهم، لإيجاد مكان للأقوياء فقط.
وحتى الآن.. لا أعرف ما إذا كان كاتبنا الكبير الأستاذ أنور الهواري، قد صدمه منع التدريس في مدارس المسلمين أم فيما نُسب إلى ابن خلدون في ذلك الشأن؟!