د . جمال المنشاوى
مات عاكف.. فأطلقوا سراح الخضيري ؟!
الموت حق .. ولقاء الله صدق .. والأجل محدد بساعة ووقت لا يتجاوزه الإنسان, لكن ملابساته تحمل كثيراً من الدلالات, والتحقيق في ظروف حدوثه تفتح كثيراً من التساؤلات والإستنتاجات, وموت الأستاذ محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان المسلمين السابق بمصر في محبسه ينطبق عليه ما ذكرنا, فالرجل تم اعتقاله بموجب الحملة ضد الإخوان بعد فض اعتصام رابعة, ومكث في السجن حتي وفاته أي 4 سنوات, وهو يبلغ الـ 90 من العمر, ويعاني من أمراض بالقلب وسرطان بالكبد إنتشر في جسده كله ,وحالته الصحية كانت متأخرة جداً, لكن السلطات المصرية رفضت الإفراج عنه ليموت وسط أهله,وحولته لمستشفي قصر العيني ليتلقى العلاج النهائي تحت الحراسة الشديدة, والرجل في حالته لم يكن يشكل أي خطورة أمنية, إذ كان تقريباً في حالة غيبوبة, وكان يمكن إرساله إلي بيته حتى لا تشكل وفاته في محبسه حدثاً ذا بال ,ويزيد من الإحتقان الموجود ويحمل دليل إدانة للنظام خاصة وأنه لم يكن محتجزاً علي ذمة أحكام, والإفراج عن المرضي كبار السن الذين لا يشكلون خطورة ليس أمراً جديدا, ويحمل وعياً سياسياً بتوابع الأمور , فمن يموت داخل السجن تنسج حوله الهالات, ويصير أيقونه لأتباعه, وذكري مستمرة تتجدد دائماً وتحمل صفة البطولة عند مريديه, فتزيدهم تمسكاً بأفكاره وأسلوبه, لذا كان من الأولي ترك الرجل يرحل في سلام وسط أهله, وبعيداً عن شكوك تحيط بالموقف برمته, نستطيع أن نقول إن الإخوان سجلوا نقطة تفوق علي النظام في الصراع المستمر بينهما بوفاة عاكف, لأنهم سيستغلون الحدث في الدلالة علي ظلم النظام وعدم مراعاته للجانب الإنساني وتعامله بمنتهي القسوة والتجاوز حتى مع كبار السن والمرضي, وعدم النظر لأي اعتبارات أو تقارير دولية تتهمه بإنتهاكات ممنهجة ومنظمه لحقوق الإنسان, كما ذكرت منظمة هيومان رايتس وواتش, والتي ردت عليها الحكومة المصرية باتهامها أنها منظمة مخترقة من قطر والإخوان, فأنضمت بذلك إلي جملة الشخصيات والهيئات الدولية المُتهمة بذات التهمه مثل أوباما وهيلاري كلينتون وكونداليزا رايس من قبلها, والانتربول وغيره ممن ذكروا شيئاً عن تجاوزات أو خالفوا موقفاً للحكومة المصرية فيخرج عليهم الإعلام المصري بتلك التهمة المضحكة المبكية, والتي تدل علي الإستخفاف بعقول المُخاطبين.
إن غياب الأفق والخيال السياسي آفة تودي بممارسي السياسة إلي عواقب وخيمة, وتجعلهم دائماً في مرمي السهام بسوء تصرفهم وعنادهم , ولذا يجب الآن علي الحكومة المصرية تدارك الأمر, وإصلاح هذا الواقع الذي يجعلها دائماً هدفاً ثابتا للمنظمات الدولية والجهات المعنية بحقوق الإنسان, ببحث ملف السجناء والإفراج عن كبار السن والمرضي, والشباب الغير متورط في أعمال عنف, لأن الجميع سيخرج ناقماً علي المجتمع , وليتذكروا ويستفيدوا من تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية في التسعينات لنبذ العنف, والتي آتت أُكلها وأثمرت بحسن معاملة الشباب في السجن والسماح لهم بزيارة ذويهم بل ومساعدة الفقير منهم والعاطل عن العمل, مما خفف من الغل والحقد والكراهية التي في قلوبهم تجاه بلدهم, فخرجوا مقتنعين بأن العنف لا يؤدي لخير, ونتائجه وخيمة علي المستوي الشخصي والعام, وهذا يحتاج إلي أفراد علي مستوي عالي من الكفاءة ألسياسية والأمنية الذين يتبعون سياسة الوقاية خير من العلاج , وينزعون عوامل التوتر والخطر القادم بنزع الفتيل عن تلك القنابل الموقوتة الموجودة في السجون والتي ستخرج تنفجر في وجه المجتمع ,فنعالجها بهراوة أمنية غليظة ويدخلوا السجون مرة أخري في دائرة جهنمية مغلقة.
مثال ذلك الآن وليس المثال الوحيد المستشار محمود الخضيري, قاض كبير السن ويعاني من أمراض مزمنة, وليس منه خطر, والرسالة وصلته بسجنه طوال هذه المدة, وهو من الحصافة ليفهم مدلولها, فما المانع من الإفراج عنه صحياً مع إلزامه بما يطمئن الجهات الأمنية بعدم ممارسته نشاطاً يؤرقهم أو يضعهم في موقع مساءلة, فيكتسب النظام نقطه إنسانية تكون بداية لتغيير الأسلوب المتبع وفتحاً لباب الاطمئنان في المجتمع, وإغلاقاً لأبواب الفتنة التي تضرب بجذورها في القاع فتنطلق للقمة فيكتوي بلهيبه الجميع
أفرجوا عن الخضيري وغيره من كبار السن والمرضي قبل أن يموت في سجنه كما مات عاكف ويظل النظام يحمل وزر تلك الوفاة إلي مالا نهاية!