الوطن
د. محمود خليل
الزعيم
هل الميل إلى تأليه الحاكم القوى عادة لدى المصريين ترتبط بتراثهم الفرعونى؟. قد يكون، لكن يبقى أن تعميم الحكم على جميع الناس يفتقر إلى الموضوعية. نعم استجاب كثير من الناس لفرعون موسى حين أعلن ألوهيته، لكن آخرين عبروا عن ضجرهم من هذا السفه، وعبروا عن رفضهم له، مثل مؤمن آل فرعون التى تجد قصته كاملة فى سورة «غافر». الأيام الأخيرة شهدت حالة من الشد والجذب، والهجوم والدفاع عن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. فى مذكراته عن حقبة جمال عبدالناصر، ذكر عمرو موسى وزير الخارجية المصرى وأمين الجامعة العربية الأسبق، أن «عبدالناصر» كان يأتيه طعام خاص بالطائرة من الاتحاد السوفيتى، ليحافظ على «الريجيم»، بعد إصابته بمرض السكر، فثار عليه كثيرون، واتهموه بالافتراء على الزعيم، بعدها أثيرت ضجة حول كتاب «الملاك» الذى صدر فى إسرائيل، ويكشف مؤلفه أن أشرف مروان زوج ابنة جمال عبدالناصر عمل جاسوساً لحساب إسرائيل، فأضيف المزيد من النار على الجدل الذى استعر حول الرجل.

جمال عبدالناصر زعيم أحبه أغلب أبناء الشعبين المصرى والعربى، هذه مسألة لا جدال فيها، ومؤكد أن الشعوب لا تحب (بالساهل)، وعادة ما يكون لديها مبرراتها عندما ترفض أن يوصم من تحب بأية نقيصة حتى بعد رحيله، أحب الكثيرون «جمال» ورأوا فيه شخصاً قوياً قادراً مقتدراً، رأوه أذكى من الجميع، وأقوى من الجميع، وأحكم من الجميع. يتعجب الكثيرون من ظهور صور جمال عبدالناصر فى بعض المظاهرات حتى الآن، ورفعها فى أيدى أجيال ربما لم يعاصر آباؤهم فترة حكم عبدالناصر. هذا الأمر يبدو طبيعياً فى تقديرى لسبب بسيط، هو أن «عبدالناصر» أعطى الناس أشياء فى يدها، ما زالوا ينعمون بخيرها، جيلاً بعد جيل، حتى الآن، ومن العبث أن تطلب من إنسان أخذ أن يكون محايداً فى حب من أعطاه.

لكن هذا أمر والتأليه أمر آخر، «عبدالناصر» شأنه شأن أى زعيم أخطأ وأصاب، نجح وأخفق، أجاد وأساء، هكذا البشر دائماً. ووجه من وجوه العظمة أن يعترف الإنسان بخطئه حين يخطئ، وقد فعلها جمال عبدالناصر عندما ألقى بمسئولية هزيمة 1967 على نفسه، وقد كان بالفعل مسئولاً عنها. ليس من الحكمة فى شىء أن تقدّر إنساناً بصورة ترفعه إلى مرتبة الآلهة أو أنصاف الآلهة، رغم أنه لم يطلب من أحد ذلك. ماذا يضير «عبدالناصر» أن يأكل من الخارج؟. إن كل رؤساء العالم يفعلون ذلك، وبالنسبة لموضوع أشرف مروان، علينا أن نعترف بما اعترف به جمال عبدالناصر نفسه بعد 1967 من أن مؤسسات الدولة تعرضت لاختراق، وعاشت حالة من الهشاشة لم تزل تعانى منها حتى الآن، وإلا لماذا وقعت الهزيمة؟. وعلينا فى كل الأحوال ألا ننسى أن المتاح دائماً من معلومات حول الأحداث الكبرى أو الشخصيات الكبرى التى لعبت دوراً فى صناعة الأحداث فى مصر محدودة بشكل كبير، بصورة لا تساعد فى أغلب الأحوال على الحكم الموضوعى. والظاهر من تجربة «عبدالناصر» أنه رجل انشغل بشعبيته بصورة تتفوق على انشغاله بمؤسسات الدولة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف