عبد الناصر سلامة
عام دراسى.. شكراً يا حكومة
شكراً ياحكومة، مع بدء العام الدراسى الجديد، لا توجد أسرة مصرية واحدة اشتكت من المصروفات المدرسية ولا الجامعية، ولا من أسعار الزِّى المدرسى، ولا حتى من أسعار الباصات، هناك من المدارس الدولية من بلغت مصروفاتها ٤٠٠ ألف جنيه، وأخرى ٣٠٠ ألف، وأخرى ٢٠٠ ألف، وهناك مدارس للفقراء لم ترفع أسعارها عن ٦٠ ألفاً فقط، أما عن الجامعات فحدث ولا حرج، بعضها وصلت مصروفاتها لـ٥٠٠ ألف جنيه، بعض الباصات رفعت أسعارها من ٦٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠ جنيه بسبب ارتفاع أسعار البنزين، الحمد لله، كله فى متناول المواطن البسيط، ولِمَ لا؟، فقد حصل البعض على علاوة ٥٠ جنيها، وبعضهم وصلت علاوته امائة جنيه!!.
شكراً ياحكومة، هذا العام سيكون بدون دروس خصوصية، مجرد البداية، وداعاً للدروس الخصوصية، كانت تلتهم معظم دخل الأسرة، الآن سوف نكتنز الفلوس، لن نجد أوجهاً للإنفاق، سوف نصبح كبقية خلق الله من الجنسيات الأخرى، سوف نتريض فى المنتجعات الجميلة حول العالم صيفاً أو شتاءً، بدءاً من اليوم سوف يطلقون علينا السياح، السياح المصريين، كالسياح الروس، والسياح الإيطاليين والسويسريين وغيرهم، بدءاً من اليوم يمكن أن تتوجه الأسرة المصرية إلى أى مطعم لتناول طعام العشاء ولو مرة واحدة أسبوعياً، قد نفكر فى دخول السينما أيضاً، ولِمَ لا؟، الفلوس كتير.
شكراً ياحكومة، الوجبات المدرسية لذيذة، لن يكون هناك تسمم جماعى بعد اليوم، الفصول المدرسية جميلة، زجاج عازل للصوت، وأسقف مرتفعة صحية، ونظافة أقرب إلى التعقيم، المدرس لا يألُ جهداً فى الشرح والتوضيح، مظهر على مستوى عالٍ، وإلا على أى أساس تم الاستغناء عن الدروس الخصوصية، أصلاً مستوى المدرس أصبح مرتفعاً جداً، فجأة أصبح كذلك، لم يعد مستر العربى يكتب كلمة «لكن» بألف المد «لاكن» ولم تعد ميس الإنجليزى تنطق الـ٦ «سيكس»، كما أصبح مستر التاريخ يعرف أن إسرائيل دولة احتلال وأن فلسطين دولة محتلة، بينما ميس الجغرافيا أخيراً عرفت موقع تيران وصنافير على الخريطة.
شكراً ياحكومة، عن المناهج حدِّث ولا حرج، بسيطة جداً، فى متناول الطالب المتوسط، لم يعد هناك الحشو، ولا الشروحات الجانبية، ولا انظر صفحة ٧٧، ولا راجع الدرس السابق، كما لم تعد هناك التعليمات بكتابة الصفحة خمس مرات، ولم يعد هناك الإسهاب فى الحديث عن الدولة الطولونية، ولا الجيوش الانكشارية، ولا الشعوب الحجرية، أيضاً لم يعد هناك الواجب المنزلى الذى نسهر معه حتى بعد منتصف الليل، سوف نستطيع النوم لعدة ساعات حتى نستيقظ فى الخامسة صباحاً لنلحق بباص السادسة، من الآن لن ننام فى الفصل أثناء الحصة، ولن ننام حتى فى الباص ذهاباً وإياباً.
شكراً ياحكومة، لم تعد هناك الحقيبة المدرسية من الوزن الثقيل حتى قبل حشوها بكل ما لذ وطاب، من كتب وكراسات وكشاكيل، وغذاء وشراب وربما دواء، من الآن وداعاً للأتب وتقويس الظهر الذى يعانى منه ٨٠٪ من التلاميذ، ليست مبالغة، بالفعل٨٠٪ من الذين يتم رفضهم فى الكليات العسكرية بالكشف الطبى بعد الثانوية العامة، يكون السبب أحد أمرين، إما نسبة الأتب التى تلازم التلميذ منذ سنوات الكى چى والابتدائى، نتيجة ذلك الوزن الزائد على الظهر جرَّاء تلك الحقيبة الملعونة، وإما بسبب ضعف النظر، نتيجة سنوات السهر وكتابة الواجب المنزلى اللعين أيضاً.
شكراً ياحكومة، المناهج المدرسية فى متناول الجميع أيضاً، لن تصل أسعار الكتب هذا العام إلى ٢٠٠٠ جنيه أو حتى ١٠٠٠ جنيه، نحن نتحدث عن المدارس، فما بالنا بالجامعات التى يمكن أن تصبح أضعاف ذلك، المناهج بالكامل موجودة على الموقع الإلكترونى للمدرسة، المذاكرة والاطلاع وكل شىء من خلال التاب الجميل، أو الآى باد اللذيذ، هذا أو ذاك فقط هو ما نحمله ذهاباً إلى المدرسة وعودة منها، التاب هو سلاح التلميذ الحقيقى، كما الآى باد هو سلاح الأسرة كلها، بإمكان ولى الأمر أيضاً الاطلاع على كل ما يخص التلميذ من خلال هذا أو ذاك.
شكراً ياحكومة، واضح أن كل الأمور مدروسة بشكل جيد، نسبة استيعاب الفصول، ونسبة استيعاب المدرسة بصفة عامة، ونسب استيعاب الكليات فى تخصصاتها المختلفة، والجامعات بالأقاليم المختلفة، كل خريج يعرف الطريق إلى الوظيفة مباشرةً، لن يتنطع على السكك، ولا فى الحارات، لن يسرح بعربة فول، ولن يعمل ديلفرى على موتوسيكل، ولن يموت فى عرض البحر مع الهجرة غير الشرعية، من الآخر: لن يفكر فى الانتحار بعد اليوم، ولن يكون عالة على أمه أو أبيه، ولن يدمن مخدرات، كما لن يلعن اليوم الذى ولد فيه.
شكراً ياحكومة، بعد أن اتسع صدرك للاطلاع على آمالنا وأحلامنا، هى مجرد أمانى قد نراها يوماً ما، قد تتحقق لأحفادنا، أو حتى أحفاد أحفادنا، بالتأكيد لن نعوِّل على هذه المرحلة، مرحلة شبه الدولة، أو إتبرع لمصر بجنيه، نحن هنا لم نتحدث عن مدارس العامة، مدارس الغالبية العظمى، مدارس الأتوبيس والمترو والتوك توك، المدارس التى تسمى مجانية، مدارس «إنتوا فقرا قوى»، ذلك أنها لم تعد تصلح للقياس عليها ولا للاستشهاد بها، فلا المدرس هو المدرس، ولا الفصل هو الفصل، ولا الكثافة هى الكثافة، ولا المناهج هى المناهج، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.