لو أردنا المفاضلة بين نواب التأشيرات، ونواب الكيف، ونواب القروض، سوف أختار نواب التأشيرات على أنهم الأكثر فساداً وإفساداً من كل الوجوه، ذلك أن نواب القروض تعثروا رغماً عنهم، كما أن نواب الكيف لم يجبروا أحداً على التعامل معهم، أما هؤلاء الذين تاجروا بمن يريدون أداء فريضة الحج، فلا أرى أسوأ منهم ولا أخس ولا أندل، ذلك أنه كان من المفترض أن يسعوا إلى التيسير على أبناء دوائرهم الانتخابية وليس التربح من خلالهم استغلالاً لحاجتهم، وهم يدركون تماماً أن هناك من اقترض لأداء الفريضة، ومن باع ما يملك، ومن اقتطع من قوته وقوت أولاده، ومن استدان، ومن ومن ومن إلى آخره.
أخشى ما أخشاه أن يتم البرطلة أو الطرمخة على هذه القضية المتعلقة باتجار نواب البرلمان فى تأشيرات الحج، ليس بهدف عدم إسقاط عضوية هؤلاء الأعضاء فقط، وإنما بتطبيق حد الحرابة، ذلك أن هؤلاء هم الذين (يَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا) وجزاؤهم بنص القرآن الكريم (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) سورة المائدة، الهدف هنا ليس ردعهم فقط، وإنما ردع أمثالهم أيضاً ممن لم يتم الكشف عنهم، وهم أيضاً كُثُر، إضافة إلى تقديم النموذج للمجتمع، على أن لا أحد فوق القانون، ناهيك عن أنها فرصة أمام مجلس النواب عموماً لتطهير نفسه، وسط شبه إجماع شعبى على أن هذا المجلس هو الأكثر سوءاً فى العصر الحديث على أقل تقدير.
أستطيع التأكيد على أن مباحث السياحة لو استخدمت نفوذها فى الضغط على شركات السياحة عموما، لأفصحوا جميعاً عن التأشيرات التى اشتروها من النواب، وهنا سوف نكتشف أننا أمام كارثة حقيقية، ذلك أنه كان من المفترض أن يقدم كل نائب كشفاً بما حصل عليه من تأشيرات، وفيما أنفقها، أو فيما أودعها، ذلك أنه ليس بخافٍ على أحد أن موسم الحج أصبح بمثابة موسم للفساد منقطع النظير، يتربح فيه من يتربح من المسؤولين، وتتستر فيه الجهة المانحة للتأشيرات عن ولاياها من أمثال هؤلاء الذين اعتادوا مص دماء الشعب فى السراء والضراء، فى الحج كما فى العمرة، فى الالتحاق بكليات بعينها كما فى التقدم لبعض الوظائف، فى الحصول على تأشيرات وتوقيعات المسؤولين عموماً بتسعيرة معلنة أحياناً.
أعتقد أن قضية الفساد التى نحن بصددها يجب أن تفتح الباب واسعاً لفتح هذا الملف من كامل زواياه، ذلك أنه يجب مستقبلاً الاتفاق مع سفارة المملكة العربية السعودية، أو مع وزارة الخارجية هناك، على عدم منح تأشيرات لأحد إلا من خلال القنوات الشرعية، بل الأهم من ذلك أنه يجب عدم المن على أحد المسؤولين بتأشيرات سنوية، معلوم مسبقاً أنه سوف يتربح منها، وأن ذلك هو سبب المن والمنح، ذلك أن المعلومات المتوافرة فى هذا الصدد تشير إلى أن هناك كشوفاً لدى السفارة تقوم بتنفيذها سنوياً، وذلك بمنح عشرات الآلاف من التأشيرات لعدد كبير من المصريين، ما بين مسؤولين، وسياسيين، ووزراء، ووزارات، وصحفيين، وفنانين، وبرلمان، وغير ذلك كثير.
بالتأكيد الهدف هنا للأسف ليس أداء فريضة الحج، بقدر ما هو أشياء أخرى يعلمها الجميع، نحن فى غنى عن شرحها، ذلك أن أى مسؤول ليس فى حاجة إلى عشر تأشيرات أو مائة أو عدة مئات، إلا إنها المنح والعطايا التى أفسدت المجتمع أيما إفساد، وقد آن لها أن تتوقف، وإذا كانت نائبة واحدة قد تربحت ما يقارب الثلاثة ملايين جنيه، كما كشفت عن ذلك «المصرى اليوم» فنحن أمام كارثة، وإذا كانت التأشيرة الواحدة قد وصل سعرها إلى ٥٧ ألف جنيه، كما كشفت «المصرى اليوم» أيضاً، فلن نستطيع إلا أن نقول: كان الله فى عون المواطن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
يجب أن نعترف أننا أمام قضية جديرة باستقالة هذا المجلس على الفور ودون تردد، أو صدور قرار جمهورى بحله على الفور أيضاً، وإذا رجعنا إلى الشارع للاستفتاء على مثل هذا الحل كما ينص الدستور، فالمؤكد أننا سوف نكون أمام الإقبال الأول من نوعه على الاستفتاءات فى بر المحروسة، لذا فإن ذلك يجب أن يكون مطلب الشرفاء من الأعضاء الذين تم تلويثهم لمجرد أنهم أعضاء، وعليهم ألا يقبلوا بغير ذلك، أو على الأقل أن يبادروا بالاستقالة المسببة، وسوف يصفق لهم أبناء دوائرهم إلى ما لا نهاية.
لا نبالغ إذا قلنا إن المتاجرة بقوت الشعب المغلوب على أمره، هى الجريمة الأقذر على الإطلاق، ذلك أن المواطن الذى يلجأ إلى مثل هذه القنوات هو المواطن الفقير الذى لا حول له ولا قوة، وإلا لاستطاع الحصول على حقوقه دون قبول الابتزاز، إلا أن الخطير فى الأمر هو أن تكون المتاجرة هنا من ممثليه فى البرلمان، الذين من المفترض أنهم أمناء عليه وعلى حاجاته ومتطلباته، أو أن يكون الابتزاز من المسؤولين، الذين عليهم فى المقام الأول رعايته وتحقيق رغباته، لذا فإن الكرة الآن فى ملعب الدولة الرسمية، فى ملعب رئيس الدولة، كما رئيس الحكومة، كما رئيس البرلمان، إما أن نكون، فنثبت أننا دولة محترمة أو فى طريقها للاحترام، وإما ألا نكون، فنُصر على أننا مجرد شبه دولة، ولا نستطيع أن نكون غير ذلك.