حمدى رزق
فيض الخاطر - السرايا الصفراء..
حسناً أطلقت الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان (بوزارة الصحة) حملتها المعنونة »السرايا الصفراء» فرصة لإشاعة الإحساس المجتمعي بالمنسيين، تلهينا، الدنيا تلاهي، في شغل عنهم، سقطوا من المتاع، لفهم الصمت، يقبعون في عالم النسيان.
وأثمن جهد العاملين علي الحملة، فالمرض العقلي ليس سبة ولا وصمة عار، عفانا الله وإياكم، مرض ونسب الشفاء منه عالية، وتزيد كلما كان المجتمع من حول المريض دافئاً، قابلاً بمرضه، »فر من المجنون فرارك من الأسد» سادت فصارت قانوناً، قبل العلاجات الحديثة التي جعلت الشفاء من المرض العقلي ممكناً، ليست كل الأمراض العقلية مستعصية، ومستشفيات الصحة النفسية ليست »مستشفي المجانين » التي صورتها الأفلام السينمائية التي أضحكتنا كثيراً، ضحك كالبكاء.
اختيار عنوان »السرايا الصفراء» للحملة موفق، ففضلاً عن تاريخيته، عنوان شعبي ودارج ومقبول ومهضوم، ويمهد الأرض لقبول المرضي العقليين بعد جفاء، ليس كل المرض العقلي خطيرا، ومن المرضي العقليين في مستشفيات الصحة النفسية من هم أعقل من العاديين، لكنهم مبكراً كشفوا عن مرضهم، بيننا مرضي حالتهم متأخرة جداً.
حملة »السرايا الصفراء» للأسف ستستمر فقط شهر أكتوبر ثم يعود هؤلاء سريعاً إلي زاوية النسيان حتي نتذكرهم الشتاء المقبل بمناسبة » اليوم العالمي للصحة النفسية » ، يعيشون بيننا لشهر، ثم تنام ضمائرنا عنهم لأحد عشر شهراً، وهم يحتاجون الدفء الإنساني طوال شهور السنة، فلتستمر الحملة طويلاً، لم نفقد إنسانيتنا بعد.
معلوم في مصر 18 مستشفي للصحة النفسية، وأقسام العصبية والنفسية في المستشفيات الأميري تعمل بطاقتها القصوي، في شعب قوامه 90 مليوناً الأمر يحتاج لعدد أكبر من مصحات الطب النفسي، والمصحات النفسية الخاصة لا يحتمل كلفتها إلا القادرون، وإتاحة العلاج النفسي ضرورة للصحة المجتمعية، لا يمكن التسامح مع ظاهرة »مجاذيب الشوارع» مرميين في الأركان يأكلون من خشاش الأرض.
ونحن عنهم غافلون، أعلم أن مستشفيات الصحة النفسية لا تتلقي تبرعات أو هبات إلا النزر اليسير، وهناك حاجة ماسة لتزويدها بسبل الرعاية، وإذا أحسن منظمو الحملة أن يطلقوا حملة تبرعات لصالح »السرايا الصفراء» يصيبون هدفاً، خلق إحساس مجتمعي بالمنسيين يترجم إلي تبرعات تذهب لتحسين أحوالهم المعيشية في السرايا، وتوفر الأدوية والمستلزمات الطبية الباهظة الأثمان، وتجمع خيرة القوم علي رعاية هؤلاء.
نفسي ومني عيني يتقدم نجم من نجوم المجتمع هذه الحملة، وكما كان نجم الكرة العالمي محمد صلاح ملهماً في حملة »لا.. للإدمان»، فلنبحث عمن يملك مثل هذا الإلهام في حملة »السرايا الصفراء» ويذهب إلي مستشفي العباسية ليصور فيلماً معتبراً عن المنسيين، لا تخشوا المجانين، هم طيبون فقط يعانون من الحرمان والوحدة والعزلة والحزن المقيم عذاب بعد جفوة أعز الأحباب.