نوال مصطفى
حبر علي ورق - العالم يتغير
أحداث الأسبوع المتلاحقة حملت إلينا أخبارًا لها دلالة، تشير وبقوة إلي أن العالم يعيد حساباته، ويعيد تشكيل ذاته. أبدأ من أحدث الأخبار »الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبد العزيز بالسماح للمرأة بقيادة السيارات اعتبارا من يونيو القادم».
هذا الخبر المهم، يعني أننا أمام تغير ما يحرك البحيرة الساكنة في الفكر العربي إزاء مسلمات تجاوزها الزمن. فإذا عرفنا مثلا أن أول رخصة قيادة صدرت لامرأة مصرية كانت عام 1920 سوف ندرك أن مصر كانت سباقة في هذا الشأن.
المرأة السعودية عانت طويلا من منعها من قيادة السيارة، لذلك أسعدني صدور الأمر الملكي للملك سلمان، وأتمني أن تشهد السعودية ودول الخليج، بل والدول العربية جميعا قرارات متحررة.
الخبر الثاني الذي استوقفني هو خروج مظاهرة نسائية في إيران تحمل لافتات لمبادرة"الأربعاء الأبيض" وتنادي فيها النساء والفتيات بخلع الحجاب ورفض فرض الحجاب. خرجت مجموعة من النساء بثياب بيضاء وبدون حجاب، وقررن أن يكررن ذلك كل يوم أربعاء من أجل الضغط علي النظام الإسلامي في البلاد لاعطائهن حرية اختيار ملابسهن، كل تبعا لقناعاته الشخصية.
الخبر الثالث يتعلق بالاستفتاء الذي أجراه الأكراد في العراق من أجل استقلال الأقليم عن العراق. وهو خبر خطير، يحمل تبعات مقلقة، ومربكة لمنطقة الشرق الأوسط ككل وليس العراق فحسب. فالأكراد موزعون في عدة بلدان أهمها تركيا وسوريا إيران. لذلك أغضب الاستفتاء تلك الدول، فرأينا أردوغان يهدد باتخاذ كل التدابير لإجهاض تلك الحركة، ولا يستبعد الخيار العسكري لقمع الانفصاليين في العراق. وتتابعت ردود الأفعال الغاضبة، المحذرة المهددة لأكراد العراق بأقسي العقوبات.
مشكلة الأكراد قديمة، لكنها تتجدد كل فترة، توزيعهم في أربع دول، لها حدود مشتركة، أو قريبة من بعضها البعض يخلق تخوفا لدي تلك الدول من انتشار الدعوة الانفصالية للأكراد من دولة لأخري، وتوحدهم جميعا في دولة واحدة هي الدولة الكردية باقتطاع أجزاء من الدول الأصلية. وهذا ما يشكل خطرا كبيرا.
الشئ المهم في قضية أكراد العراق أن ذلك الإقليم به مدينة كركوك التي تعد المدينة البترولية الأولي في العراق، والتي يتم تصدير بترول العراق منها. وهذا هو بيت القصيد. الدعوة الانفصالية للأكراد في العراق محاطة حتي الآن بمخاطر وخيمة، فقد كشرت حكومات الدول الأربعة عن أنيابها، وحذرت وهددت بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا ما مضي الأكراد في تحركهم هذا. واعتبرت حكومة العراق ممثلة في رئيس وزرائها حيدر العبادي هذا الاستفتاء باطلا وغير دستوري، وغير معترف به عربيا أو دوليا.
كلمة السر ومبعث التخوف الأكبر هو المساندة الإسرائيلية الكبيرة للأكراد، والتي تبعها ود مبالغ فيه من القيادات الكردية لحكومة تل أبيب، ولا أخفي قلقي أن يكون الانفصال مدعوماً من أحد أجنحة الإدارة الأمريكية سراً، رغم إعلان واشنطن عدم تأييدها لإجراء الاستفتاء في هذا التوقيت.
الخطير في استفتاء الأكراد في رأيي أنه يفتح باب تفكيك الدول العربية، وتفتيتها، وأظنها المرحلة الثانية للمخطط الخبيث "الشرق الأوسط الكبير" لمخرجته كونداليزا رايس. في البداية ثورات الربيع العربي وإسقاط الدول العربية واحدة تلو الأخري، ثم تفكيك تلك الدول بعدما صارت هشة، ضعيفة، لا تقوي علي المواجهة، وتبدأ دائرة تقسيم الدول عرقياً أو طائفياً فنجد دولة أخري شيعية أو سنية في العراق.
كانت تلك هي الأخبار الثلاثة التي استوقفتني خلال الأيام القليلة الماضية، أردت أن أتأملها قليلا معكم، علنا نفهم ما يحدث حولنا عربيا، شرق أوسطيا، وعالميا. فنحن شئنا أو أبينا جزء من اللعبة الكبيرة"لعبة الأمم".