المساء
خالد امام
شتان.. بين "كاف.. وكاف"
لعل الوصف الدقيق لكل مايجري حول استفتاء كردستان تمهيداً لاستقلاله وانفصاله عن العراق هو "ضجيج بلا طحن".
النظرة المتأنية والعميقة والمحايدة للأمر تدفعني الي القول بمرارة ان الحكومة الاتحادية في بغداد لم تبادر باتخاذ الاجراءات الدستورية والقانونية في الوقت المناسب وقبل اجراء الاستفتاء .. لكنها - وكما هي عادة العرب - تبارت في اصدار التصريحات والتهديدات الجوفاء دون ان تتخذ خطوة واحدة عملية لمنع الاستفتاء ومنع التجاوزات الصارخة فيه من تزوير وقهر واجبار من ليس لهم حق التصويت علي الادلاء بأصواتهم مثل ابناء كركوك ونينوي وصلاح الدين ودياللي .. تلك المناطق التي لا تتبع في الأصل كردستان ولكن قوات البشمركة سيطرت عليها بعد طرد تنظيم داعش الارهابي منها.
كل هذا حدث دون ان تتحرك حكومة بغداد خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح .. ثم وجدناها تتخذ اجراءات شكلية مثل محاصرة كردستان من الجنوب بالتزامن مع محاصرة الاقليم شرقاً من ايران وشمالاً من تركيا وطلبها تسليم المنافذ والمطارات وآبار البترول وغير ذلك .. ووجدنا ايضاً تصريحات رافضة ومنددة وشاجبة للاستفتاء .. في الوقت ذاته رأينا جميعاً عدم اهتمام غريب من جامعة الدول العربية وكأنها "موافقة" ضمنياً علي الاستفتاء والانفصال مما يعيد الي الذاكرة دور نفس الجامعة في ضرب ليبيا من الناتو عام 2011.
هذه المفردات السابقة ماهي الا "ضجيج بلا طحن" .. فالاستفتاء اجري وستعلن نتائجه خلال ساعات بموافقة كاسحة. واسرائيل موجودة في قلب اربيل بشخوصها ابطال "ثورات الربيع العبري" وغيرهم وبنجمتها السداسية الزرقاء رغم انف بغداد. والجزيرة الصهيونية حاضرة وبقوة وتنقل الأحداث علي الهواء مباشرة. والعراقيون في بغداد يتبارون في "اللكاعة" والكلام الأجوف. والجامعة العربية نائمة في العسل وسوف تصحو بعد خراب مالطة. والعرب كل يعيش همومه ومشاكله ويقول "نفسي .. نفسي" ومعهم حق مادام اصحاب القضية لا تعنيهم قضيتهم التي ستتحول حتماً الي "فلسطين - 2".
هذا في كردستان .. فماذا حدث في "كتالونيا" الإسبانية حول استفتاء مشابه للانفصال؟؟.. المفارقة ان الاقليمين يبدآن بحرف "الكاف" ولكن شتان الفارق بين "كاف .. وكاف".
اقليم كتالونيا يطلب الانفصال عن اسبانيا وقرر اجراء استفتاء الأسبوع القادم يلقي تأييداً كاسحاً من الكتالونيين ويضع البلاد في واحدة من اكبر ازماتها السياسية منذ بدأ الحكم الديموقراطي قبل اربعة عقود .. فماذا فعلت الحكومة الإسبانية ؟؟.. هل استكانت ووضعت يديها علي خدها واخذت تندب ؟؟.. لأ طبعاً .. تعالوا لتروا كيف تصرفت وماذا اتخذت لتعرفوا الفرق :
* اولاً .. رئيس الوزراء الأسباني ماريانو راخوي اعلن مبدئياً ان هذا الاستفتاء مخالف للقانون .. كما أمرت المحكمة الدستورية بتعليقه لحين تحديد مدي مشروعيته .. ومعني ذلك بمنتهي الصراحة والقوة ان من حق الحكومة اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنعه فعلياً .
* ثانياً .. لم تتوان الحكومة بل اكدت انه ستتم السيطرة علي كل مراكز الاقتراع قبل الاستفتاء .. قبل الاستفتاء وليس بعده ياسادة .. قبل الاستفتاء وليس تركه يجري وبعد كده نشوف ..!!!
* ثالثاً .. مندوب الحكومة الإسبانية في كتالونيا انريك ميو أكد في مؤتمر صحفي انه لن يكون هناك استفتاء حقيقي وانه تم تفكيك كل الاجراءات اللوجيستية المتعلقة بالاستفتاء .. والسؤال هو : وكيف حدث هذا ..؟؟ :
* 1 ـ مكتب الادعاء في الاقليم - وليس العاصمة مدريد - كلف الشرطة الاقليمية بالسيطرة علي كل مراكز الاقتراع اعتباراً من غد الجمعة .
* 2 ـ صدرت أوامر صريحة للشرطة بحصر اسماء كل من يشارك في التصويت غير القانوني ومصادرة الوثائق المتعلقة بذلك .
* 3 ـ نص نفس الأمر علي العقوبات الواجبة في حق المخالفين وهي ان أي شخص يستخدم مفاتيح أو اكواداً لدخول مركز اقتراع سوف يعتبر متواطئاً في جرائم عصيان وسرقة اموال .
هكذا تتم مواجهة الفوضي والخروج علي الدستور والقانون .. وليس بالتصريحات والطبطبة أو باجراءات بعد فوات الأوان وفرض الأمر الواقع .
قد يقول قائل : ان ماحدث في كتالونيا لو كان قد طبق في كردستان لنشبت حرب حقيقية ..!! وأرد بوضوح : ان بغداد لو كانت مسيطرة حقاً علي كردستان لما خشيت شيئاً .. قد تحدث مناوشات - وهو مايمكن ان يحدث كذلك في كتالونيا - لكنها ماكانت لتصل الي الحرب .
الخلاصة .. البقاء لله في كردستان "العراقية" واستعدوا لاعلان ميلاد كردستان "الاسرائيلية" وانتظروا مطالبات اخري بالانفصال سواء في العراق أو في العديد من الدول العربية علي طريقة "كاف" .. مثل "ب" أو "ن" أو "ج" أو"ط" أو غيرها ..!!!
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف