الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
العمود اليومي.. له قصة طويلة
كان من تقاليد الصحف اليومية منذ بدايتها في أغسطس 1876 علي يد سليم وبشارة تكلا في مدينة الإسكندرية حينما أحضر نابليون أول مطبعة دخلت مصر.. كان من تقاليدها لمدة طويلة جداً أن يكتب رئيس التحرير مقالاً علي عمودين في شمال الصفحة الأولي.. وتمر شهور وسنوات طويلة كثيرة وتكثر عدد الصحف ويخترع الصحفي الكبير أحمد الصاوي محمد "مقال النصف عمود"!!!! بل كان يحرص أن يكون أقل من نصف العمود تيسيراً علي القارئ.. واختار عنوانا ثابتاً للنصف عمود يدل علي فلسفة الفكرة وسببها.. العنوان كان "ما قل ودل"...... كان استاذنا الكبير الصاوي يري أن القارئ لا يستطيع أن يقرأ عمودين في الصباح وهو يشرب الشاي ويتناول الإفطار ويلبس البدلة ليلحق بعمله.. ولا حتي خلال ركوبه أي مواصلة!!!! لذا القارئ في حاجة إلي "سندوتش صحفي" سريع لكي يأخذ فكرة عما حدث خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية ثم يقرأ علي مهله سواء في عمله أو بعد عودته للمنزل من المقالات.
لذا اعتبر المؤرخون أن أحمد الصاوي محمد هو مخترع فكرة "العمود الصحفي" وأول من كتبه في تاريخ الصحافة المصرية.
ثم حدث أن مرض استاذنا الصاوي ولم تعد يده المرتعشة بحكم السن أن يكتب العمود.. وكانت مشكلة.. زوجته السيدة الرائعة صاحبة التاريخ الطويل المشرف في عالم الصحافة والوطنية وتحرير المرأة "درية شفيق" سيدة المجتمع المصري بجمالها ورشاقتها وثقافتها وأسلوبها الجميل في الكتابة والخطابة. عرضت عليه زوجته أن تكتب هي العمود بأفكاره وباسمه.. دون أن يدري أحد فرض الصاوي بشدة.. وكان له تعبير خالد في هذا الشأن.. قال إن علاقة القارئ بالكاتب هي مثل ان لم تكن أقوي من علاقة الرجل بزوجته.. فعلاقة القارئ بالكاتب علاقة فكر وإيمان باتجاه معين.. وعلاقة الرجل بالمرأة علاقة حب ومعاشرة ومعيشة في مهب الظروف الحياتية المتقلبة!!!!
ــ طيب .. ما الحل؟؟؟
ــ هل يعتذر الصاوي لمرضه؟!....
وهو يفكر في هذا الأمر نظر حوله فوجد كوم خطابات ضخماً من القراء كانوا يرسلونها له من زمان.. فقرر الصاوي نشر الخطابات التي تحمل أفكاراً جديدة أو طرائف أو وقائع تاريخية أو أي شيء يفيد القارئ ويسره.. وظل الصاوي ينشر الخطابات مدة طويلة كانت محل تعليق من الناس..
أما المرحوم علي أمين لما مرض ولم يستطع الكتابة فكان له رأي آخر.. رغم إلحاح توأمه مصطفي أمين أن يتركه يكتب عمود "فكرة" بتوقيعه "توقيع علي" وبنفس أسلوبه وبطريقته وهو الغريب في العالم المنشورة في المجالات الأجنبية الخاصة إلا إذا كان هناك حدث محلي ضخم يستحق التعليق.. واستمر علي أمين حتي آخر يوم في حياته يطالع المجلات الأجنبية الخاصة ويملي علي توأمه العمود.. رحم الله الجميع ــ رافضاً تماما الحلين الذي لا ثالث لهما.. أما الاعتذار للمرض أو يكتب توأمه العمود وقد كان..
أما المرحوم انيس منصور فقد كان قليل الخروج من منزله جالسا إلي مكتبه.. يقرأ ويكتب.. كان يكتب أكثر من عمود كلما جاءته فكرة خلال اعتكافه.. لا خوفا من المرض وبلا نظرة إلي أي ما هو قادم.. فقط يكتب أحيانا أكثر من عمود وعمودين كان وكثير السفر وله ارتباطات اجتماعية قد تمنع من الجلوس إلي مكتبه.. لذا عند وفاته ترك أعمدة كثيرة علي مكتبه نشرتها الأهرام كلها..
والنشر بعد الوفاة فكرة ظهرت في "الجمهورية" حينما أعطي عميد الامام الصحفي الفلسطيني الوطني الكبير مقاله لسكرترية التحرير وخرج من الحجرة فإذا به يقع أمام الباب متوفي.. فقررنا نشر المقال في نفس يوم نعيه.. وكانت قصة.. سارت الصحف عليها حتي الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف