الأهرام
علاء ثابت
وتجديد الخطاب الدينى
بعد امتصاص الصدمة الأولى عند سماع الفتاوى المتعلقة بما عرف بنكاح الوداع وإتيان الحيوانات وتذكر ما سبقهما من فتاوى إرضاع الكبير وبول الإبل ومعاشرة أسيرات الحرب وتكفير المسيحيين، كان لابد من طرح السؤال التالى؛ ألا يمكن أن نجعل من تلك الفوضى وهذا الانفلات أمرا «خلاقا»؟ بمعنى آخر ألا يمكن أن يكون لفوضى الفتاوى تلك أى فائدة مادامت قد باتت قدرا لا يمكن الفكاك منه؟ ألا يمكن أن يكون لتلك الفوضى علاقة بتجديد الخطاب الديني؟ وبداية فإنه لابد من الإشارة إلى أن متابعة رد الفعل الرافض والمستنكر سواء من المجتمع بنخبته الواعية أو من قبل مؤسسة الأزهر العريقة وعلى رأسها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب تؤكد بكل وضوح أن هذا المجتمع من الصلابة والحيوية بحيث لا يمكن لتلك الفتاوى أن تنال منه ولا من عقيدته الراسخة بسماحتها التى يشوهها هؤلاء وغيرهم المتكالبون على شهرة زائفة والمسكونون بأفكار أقل ما يقال عنها إنها شيطانية لا تستهدف خدمة الدين ولا الوطن ولا الإنسانية. إذ لا يمكن لعاقل أن يتصور أن دينا سماويا يمكن أن يقبل ويقر بمثل تلك الفتاوى.

وإذا كان الأمر كذلك بالفعل فيمكن أن نأخذ من إطلاق تلك الفتاوى مدخلا لبداية حقيقية لتجديد الخطاب الدينى وتنقية التراث من روافد تلك الفتاوى. ذلك أن ما قال به مطلقو تلك الفتاوى الشاذة هو مجرد نقل من كتب تراثية يعج بها التراث الإسلامي، تماما كما يفعل الداعشيون ومن يدور فى فلكهم. إنهم يحاولون أن يجدوا مبررا ومرجعا - مهما كان ضعيفا أو شاذا - لما يرتكبونه من جرائم ضد الإنسانية وضد الإسلام نفسه. إدانة هؤلاء والمطالبة بالحجر عليهم أو الكشف على قواهم العقلية أو منعهم من الفتوى أو التحقيق معهم وتوقيع العقوبات ليست الحل. الحل هو التصدى الحر والجرىء لتلك الفتاوى وتفنيدها وتوضيح أنها ليست من صحيح الدين ولا يمكن قبولها عقلا. وهنا يأتى دور الأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء. فتلك الفتاوى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ويعلم علماء الأزهر قبل غيرهم أن العثور على مثل تلك الفتاوى والآراء الشاذة من التراث أمر لا يعيى أى شخص بصرف النظر عن مؤهلاته. إذن تنقية التراث الإسلامى مما يشوبه يجب أن تكون المهمة التى لا تتقدم عليها مهمة للأزهر الشريف. وإذا كان الأزهر يتصدى بكل قوة لما يتم طرحه من فتاوى شاذة، فإن الأهم أن يغلق الباب الذى تخرج منه تلك الفتاوى. ومن ثم فمن الضرورى إطلاق مشروع متكامل للملمة تلك الآراء والفتاوى الشاذة وتفنيدها للمجتمع وللشعوب الإسلامية قبل أن يستخدمها الجاهلون والمغرضون قنابل يستهدفوننا وديننا بها. وليكن ذلك المشروع هو اللبنة الأولى والأساسية للدخول فى عملية شاملة لتجديد الخطاب الديني، خاصة أن الدعم السياسى ممثلا فى وقوف الرئيس السيسى خلف ذلك المشروع بات مؤكدا، بل إن الرئيس يلح عليها ليل نهار إيمانا منه بخطورة التأخر أو حتى التراخى فى القيام بتلك المهمة.

وإذا كان التصدى لفوضى الفتاوى كلما شاعت لم يقتصر فقط على الأزهر وعلمائه، إذ شاركهم بل وسبقهم فى ذلك نخبة المجتمع من كتاب ومثقفين ومفكرين فى مجالات مختلفة، فإن مشروع تنقية التراث يجب أيضا ألا يقصره الأزهر على نفسه فقط. فبدون تعاون الأزهر مع تلك النخبة والترحيب بما تطرحه من أفكار وما تشير إليه من آراء شاذة موجودة فى كتب التراث بدلا من الهجوم الذى يلقاه كل من يتصدى لتنقية التراث والمناهج من بعض علماء الأزهر، فإن النجاح فى قطع الطريق على تلك الفوضى سيواجه بتحديات كثيرة ربما تفشله فى النهاية. وأخيرا، فعلينا جميعا أن نسأل أنفسنا من أين وكيف أتت تلك العقول التى راق لها أن تحيى تلك الفتاوى الشاذة من مرقدها وتقذفها فى وجوهنا، وتلك التى صدقت وتصدق تلك الفتاوى، وتلك التى تتصور أن الإسلام ضعيف للدرجة التى يخشى عليه من تلك الفوضى؟ الإجابة عندى باختصار يمكن أن نجدها بالنظر فى نظامنا التعليمى بمراحله وأنواعه المختلفة ومنظومتنا الثقافية بكل روافدها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف