الأهرام
د/ شوقى علام
الخلل فى تناول مفهوم التمكين والاستخلاف
مفتى الجمهورية أنعم الله تعالى على كل مخلوق بنوع من السلطة في بيئته والتصرف في منافعها؛تمكينًا لاستمرار حياته على مثال بديع يتناسب مع الحكمة من خلقه ووجوده ومهمته، إلا أن الإنسان قد اخْتُصَّ بمزيد خصائص وسمات لهذا التمكين وذلك الاستخلاف؛ حيث أودع الله فيه العقل والتفكير، وجعل له الأرض مكانًا وقرارًا، وسخر له ما في الكون من موجودات وإمكانات، من أجل تحقيق محوري مهمته ووظيفته، وهما: معرفة الله تعالى وعبادته، واستثمار هذا الكون والانتفاع بخزائنه المودعة فيه.وهي مهمة جليلة يتشارك فيها مجموع الجنس البشري، فكل واحد من بني آدم يقوم بها من خلال ما أقامه الله تعالى فيه، وفق المقاييس المادية والقوانين الطبيعية؛ فضلا عن الانضباط بمنظومة الأخلاق والقيم، ومن ثمَّ تنكشف أمام الإنسان معوقات تحقيق هذه المقاصد من جهة اتباع سبل الوقاية من الفساد والانحلال والفوضى قبل الوقوع من جهة، وببيان طرق القضاء على ذلك بعد الوقوع قضاءً يذهب آثاره ويضعف من أضراره من جهة أخرى.

إن هذا لبيان جامع يؤخَذ منه وضوح معالم منهج الإسلام في بيان مهمة وجود الإنسان في هذا الكون، والتي تتلخص في عمارة الأرض، من أجل استقامة حياة الإنسان عليها مع شيوع المودة والرحمة، وهذا ما تناقضه لوازم أفكار أهل التطرف وآثار أفعالهم وتصرفاتهم، التي ينطلقون في تحقيقها من فهمهم المغلوط لمفهوم ”الاستخلاف والتمكين”، حيث يقصرونه على أنفسهم محتكرين سماته على خاصتهم كقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) ويرمون غيرهم مطلقا بخاتمة الآية الكريمة:( ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)[النور: 55]!

وهكذا يصنعون بكل آية فيها وعد من الله تعالى للأمة المحمدية بالإعانة والنصرة والأمن والتمكين، حيث لا يتورعون عن الادعاء بأنهم وحدهم المحظوظون بمظاهر هذه الآية والمخاطبون بها؛ بما يُلَبِّس على كثير من الناس حقائق دينهم، باعتبار أن اختزال هذا المفهوم واختلاله يمثل وسيلة سهلة لحشد الأتباع نحو الإيمان بأفكارهم، وبذل ما في الوسع من الاجتهاد في انتظام الأفراد تحت مرتكزاتهم الحركية، وحافزا كبيرا للتمادي في تكفير المجتمعات أفرادًا وحكامًا والخروج عليها بالبغي والعدوان.

ذلك الفهم المغلوط لهذا المصطلح وقلب حقائقه حملهم على رسم ما يسمونه “طريق التمكين” ونظم مفردات وإجراءات يحتشدون لتحقيقها، وهي تتلخص في توسيع الانتشار في المجتمعات وبين الطبقات والأوساط والمهن، وتزايد التغلغل في مفاصل المؤسسات، في حين أن المرجفين منهم يمارسونها حركيًّا تحت “إدارة التوحش”أو “إدارة الفوضى والتوحش” ويسبقونها بمرحلة “شوكة النكاية والإنهاك”، وهذا لا يدل إلا على ما انطوت عليه نفوس هؤلاء من العنف والإرجاف.

ولا ريب أن هذه الجملة الكبيرة من الأوهام التي يعتقدها هؤلاء وينطلقون منها في كل ما يفعلونه من أعمال إجرامية، يفضحها الفهم الصحيح لمفهوم “الاستخلاف والتمكين” لما يحمله من مظاهر نقية لطريق حياة الإنسان الطيبة التي تمتلئ بالتفاؤل والأمل ونفع البشرية، وما يحتويه من ضمانات لوقاية المجتمعات من آثام البطالة وأمراض الفراغ ومنطلقات الفوضى والغفلة؛ لأن مسألة الاستخلاف والتمكين وعد إلهي لأي أمة إذا أرادت جني آثاره وقطف ثماره فلا بد أن يأخذ مجموعها بأسباب تحقيق أصول انتظام العمران، من قبيل ترتب المسببات على الأسباب.

وعلى ذلك جرى تعامل النبي صلى الله عليه وسلم والأمة من بعده في إدارة شئون العباد، ومع أهل العهد وشركاء الوطن، بل مع الأعداء حربًا وصلحًا ومهادنة، وهي دلائل قطعية تؤكد أن طريق الاستخلاف والتمكين لا يكون أبدًا فيما ينتهجه هؤلاء من أفكار فاسدة فيها الخروج على النظام العام الذي ارتضاه الناس عامة وخاصة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف