المصريون
رضا محمد طه
الهوس الكروي وإختفاء الثقافة
في البداية أحب أن أوضح أن ممارسة الرياضة أو مشاهدة المباريات بإعتدال ودون تعصب أو مضيعة للوقت والمال تعتبر أمور مستحبة، لكنني تصادف يوم أمس الخميس وأثناء ذهابي لجامعة حلوان، كان الحوار والحماس والتعصب علي أشده بين مجموعة من طلبة الجامعة عن اللاعبين والماتشات، وإستمر الحوار بين الشباب من محطة السادات وحتي محطة جامعة حلوان بلا ملل أوتوقف أو حتي تغيير للموضوع-هري في هري وصداع للآخرين، كان يتحدثوا مثلاً عن محاضراتهم أو عن قصائد شعرية أو أي حوار ثقافي آخر، والغريب أنه عند عودتي جلست بجوار رجل خمسيني في العمر وفي يده جريدة تخصص صفحات عديدة لكرة القدم، هذا الرجل لم يقرأ سوي تلك الصفحات وكما لو أنه يشتري الجريدة مخصوص من اجل الإطلاع علي أخبار اللاعبين وخلافات النوادي والمدربين وحفظ التحليلات المختلفة للمباريات وغيرها وكذلك نتائج المباريات، تعجبت لإنهماك الرجل وإنغماسه في تلك الأخبار كما لو أنه يقرأ رواية مشوقة تشده أحداثها. أما الذي يدعو حقاً للدهشة، هو أنني وعندما إستقليت سيارة ميكروباص أجرة، كان الحوار بين السائق ورجلين اللذين يجلسان بجواره طوال الطريق-أكثر من نصف ساعة-أيضاً عن لاعبي النادي الأهلي ومشاكلهم مع المدرب، ويتحدثون منفعلون وكانهم خبراء فيمن يحق له اللعب في هذا المكان من الملعب وذاك الذي لابد له أن يرحل أو يباع أو ينتقل، ثم إنتقلوا لبورصة اللاعبين العالمية، وخاضوا حتي في خصوصيات اللاعبين وفيما يمتلكون من أموال وعقارات وغيرها، وأظن لو تقدم وسألهم أحد عن بعض البديهيات في أمورتخصهم لما أجابوا إجابة مقنعة!!!.

هل ما يقوم به الأعلام سواء بقصد أو عن غير قصد من خلال الفضائيات أو الصحافة في صورة تعبئة الناس للإهتمام باللاعبين والمباريات وغيرها من التحليلات الكروية والضجيج والطحن والهري الكثير هي التي أهملت العقول وخلقت مناخ معادي للثقافة أو العلم، الأمر الذي كان نتيجته هو ما نراه من تلك العقول المسطحة والمجرفة، والتي كنا نعتبرها هي كنوزنا المتبقية لنا، والتي نعقد عليها الآمال في نهضتنا؟. غياب الثقافة وتهميش دور العقول أصبح ظاهراً في سلوكيات الناس والتي تتبدي في إنفلات أخلاقهم وركاكة وإسفاف حواراتهم، وكذلك نظرتهم وتقييمهم للأمور والتي تسودها الفهلوة والبلطجة والإنتهازية، وكذلك الرؤية الأحادية المتعصبة للرأي الشخصي ومن ثم يلازمها غالباً آفة التطرف في أمور حياتهم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف