أوضحنا فى المقالين السابقين أن أقصى ما تستطيعه الأكاديمية الوطنية للشباب هو تجديد البيروقراطية الحكومية، وأن تجربة منظمة الشباب الاشتراكى التى كانت أكثر قدرة على إعداد دائرة أوسع من الشباب كانت وليدة عصرها ولا يمكن تكرارها ففى الستينات كان النظام السياسى يقوم على تنظيم سياسى واحد له جناح شبابى هو المنظمة التى التزمت بتوجهاته السياسية اما الآن فإن النظام السياسى يقوم على التعددية الحزبية ولا يجوز ان يحتكر الحكم حق إقامة تنظيم سياسى للشباب وفق توجهاته السياسية وأن يحرم باقى القوى من ان يكون لها تنظيماتها الشبابية، يوجد فى مصر الآن تعددية حزبية تعبر عن التيارات الفكرية السياسية الرئيسية التى يحق لكل منها أن يقيم تنظيمه الشبابى وفق توجهاته الأساسية وهنا يبرز السؤال الأساسى وهو وماذا عن جماهير الشباب المصري، كيف نتعامل مع جماهير الشباب التى لم تلتحق بأى من الأحزاب القائمة سواء الحاكمة أو المعارضة ويقدر هؤلاء الشباب بأكثر من ثلثى الشعب المصرى بما يقترب من 60 مليون مواطن. وقد جرت مناقشات عام 2014 حول هذه المسألة تبلورت من خلالها رؤية حول كيفية التعامل مع جماهير الشباب بما يمكنهم من امتلاك معارف أساسية ينطلقون منها فى التعامل مع قضايا العصر دون أن يكون هناك احتكار من الحزب الحاكم فى التعامل مع الشباب وفق توجهاته الفكرية والسياسية، تقوم هذه الرؤية على أنه من حق الأحزاب السياسية بما فى ذلك الحزب الحاكم ان تتعامل مع شبابها وفق توجهاتها الفكرية والسياسية وإلى جوار هذا يقوم كيان شبابى مستقل عن هذه الأحزاب، تكون مهمته إعداد جماهير الشباب المصرى فكريا وتنظيميا مع إتاحة الفرصة لهم لممارسة نشاط خدمى وجماهيرى وفق رؤيتهم ومن خلال أطر تنظيمية مستقلة عن الحكم وعن باقى الأحزاب. وقد استقرالرأى على أن يتأسس هذا الكيان من خلال مؤتمر عام للشباب منتخب من لجان شبابية بالمحافظات تتشكل فى مراكز الشباب بمدن وقرى المحافظة وأن يقوم هذا المؤتمر العام الشبابى بانتخاب قيادة هذا الكيان فى حدود 100 عضو ينقسمون إلى لجان نوعية حسب الأنشطة المستهدفة لهذا الكيان ويكون لهذه القيادة أمانة عامة تنتخبها فى حدود 15 عضوا، ومن بين الأسماء التى اقترحت لهذا الكيان (مفوضية الشباب). وأيا كان الاسم الذى سيستقر عليه الرأى فإن هذا الكيان الذى يمارس نشاطه من خلال لجان مماثلة مستقلة داخل مراكز الشباب تنقسم إلى لجان فرعية حسب الأنشطة المستهدفة وتكون المهمة الأساسية المطروحة لإعداد الشباب ذات شقين أولهما فكرى والثانى تنظيمي.
أما عن النشاط الفكرى فهو سيدور حول قضايا نابعة من طبيعة العصر الراهن تساعد الشباب على تفهم طبيعة هذا العصر عالميا وإقليميا ومحليا بعيدا عن القضايا السياسية المباشرة التى تختص بها الأحزاب. من أهم القضايا التى ستكون موضع الإعداد الفكرى للشباب قضايا الديمقراطية والعولمة والقومية والوطنية التى تشكل فى مجملها إطارا عاما للثقافة العصرية التى تسلح الشباب برؤية حول طبيعة العالم المعاصر ومكوناته والقوى الأساسية التى تتحكم فيه وكيفية التعامل معها وبذلك نسلح الشباب المصرى بثقافة عامة تمكنه من التعامل مع العالم المعاصر بما يحمى المجتمع المصرى من ضغوطه ويمكن مصر من ممارسة سياسات قادرة على تحقيق مصالح الشعب المصرى متخلصة من الضغوط الدولية والإقليمية ومستقلة عن أى تأثيرات خارجية ولا يخفى علينا أن هذه القضايا التى ستكون فى صلب برنامج الإعداد الفكرى لجماهير الشباب المصرى تنطلق من المفاهيم الأساسية للقضايا الإنسانية المعاصرة، فلا يمكن لأى إنسان أن يمتلك القدرة على الحركة والتأثير ما لم يكن واعيا بكيفية بناء مجتمع ديمقراطى وفهم آليات بناء هذا المجتمع وترسيخ حقوق الإنسان فيه جنبا إلى جنب سيادة القانون وتأكيد حق المواطنة وكيفية إقامة دولة مدنية ديمقراطية تقوم على هذه المبادئ، وهكذا فإن الشباب المصرى سيكون أقدر على التعامل مع التحديات التى تواجه مصر إذا فهم ظاهرة العولمة والقوى المتحكمة فيها وأسباب نشأتها وتأثيرها على النظام العالمى وأهم مؤسساتها التى تمكن هذه القوى من إحكام السيطرة على البلدان النامية ومنها بلدان الشرق الأوسط. وينطبق نفس الأمر على باقى القضايا التى اقترحناها للإعداد الفكرى للشباب والذى سيكون مؤهلا بذلك لممارسة نشاط فعال فى خدمة المجتمع كما سيكون مؤهلا لاختيار التوجه السياسى المناسب له والإلتحاق بالحزب الذى يفضله وهكذا فإننا بالفصل بين الإعداد الفكرى للشباب الذى سيتم فى إطار الكيان الشبابى المقترح وبين ضغوط الحكم نكون قد وفرنا لجماهير الشباب المصرى الاستقلال فى تكوينه الفكرى قبل أن يختار توجهه السياسى وهو ما يتناسب مع مجتمع التعددية الحزبية.
أما عن الجانب التنظيمى فى إعداد الشباب فإنه سيقوم على تقسيم النشاط فى مراكز الشباب إلى لجان نوعية حسب الأنشطة التى يقترحها الشباب فى كل موقع وبما يتناسب مع طبيعة هذا الموقع سواء كان مركز شباب قرية أو مركز شباب مدينة، فى حى شعبى أو فى حى راق، وفى هذا الإطار فهناك أنشطة متنوعة ممكن أن يقوم بها الشباب فى كل موقع مثل خدمة البيئة ومحو الأمية وغيرهما من الأنشطة المناسبة.
وهكذا فإننا نفتح الباب أمام إعداد الشباب المصرى فى إطار مستقل وتأهيله للعمل فى خدمة المجتمع من خلال صيغة مناسبة للوضع القائم فى مصر.