المصريون
محمود سلطان
الإسلام عندنا.. والمسيحية عندهم.. ماذا يعني؟!
تلقيت ردودًا غاضبة من إسلاميين على مقالي يوم أمس 30/9/2017، لأني كنت مصرًا على رأيي بأن المسيحية في أوروبا ـ بعد عقود طويلة من النضال الاجتماعي والسياسي ـ تحولت من "دين" إلى "هوية".. وهو التحول الذي يفسر كثيرًا من مواقف الغربيين سواء من المسيحية واليهودية أو من الإسلام.

الأكاديمي الكويتي د.عبد الله النفيسي، كان قد تساءل: لماذا لا يتبرأ العلماني الغربي من المسيحية، فيما يتبرأ العلماني العربي من الإسلام.؟! هو سؤال مهم قد يكون بابًا للجدل والمناقشة وإضاءة المساحات المظلمة في هذا الملف تحديدًا.

وأعيد وأكرر ـ هنا وفقا لهذا التحول التاريخي في منزلة المسيحية في أوروبا ـ أن تمسك العلماني الغربي بمسيحيته، لا يعني إنه يؤمن بالمسيحية كدين.. أو بنبوة أو إلوهية أو قداسية المسيح.. بل ربما يكون هذا العلماني الغربي الذي يدافع عن المسيحية.. قد يكون ملحدًا ولا يؤمن بوجود الإله من أصله.. ولكنه يلوذ عن المسيحية، بدافع ثقافي، ولكونها تعطي لهويته الوطنية والحضارية تميزها الثقافي.. فهو يتعامل معها كما يتعاطى مع اللغة أو مع ما توارثه من طرق في اللبس والأثاث والسكن.. يعني كمفردات أو تراث اجتماعي شكل في محصلته النهائية هويته الوطنية.

هم هناك لا يحترمون المسيح.. ولكن لن يتنازلوا عن المسيحية كثقافة وكهوية.. أنا هنا لا أتحدث عن رجال الدين "القساوسة" ولا المؤسسات الدينية "الكنائس".. فهي بطبيعة الحال، تتعامل مع المسيحية كدين وكعقيدة، ولكني أتحدث عن روح المجتمع الغربي.. عن النخب الفكرية والثقافية والسياسية والأمنية والعسكرية، والحاضنة الاجتماعية الأوسع والأكبر.

بعض الردود الغاضبة، لم تنتبه إلى ما بينته من فارق بين المسيحية في الغرب والإسلام في الشرق:

الإسلام عندنا دين وعقيدة ومعاملات وعبادات، مكون أساسي من الهوية الوطنية.. بل إن المذاهب الفقهية تدخل من بين جملة مكونات الهوية.. مصر على سبيل المثال يعتبر مذهبها السني له القوامة الأكبر في رسم حدود وفحوى ومعنى هويتها الوطنية.. ولذا يعتبر التبشير بالمذهب الشيعي ـ مثلا ـ اعتداء خطيرا يهدد الأمن القومي لمصر.
لماذا تسمح لنفسك بالغضب من التشيع، فيما تنتقد دولة مثل إيران حال واجهت التمدد السني في مدن تقع في أطرافها؟!
ولماذا تغضب في مصر حال بنيت كنائس جديدة، قد لا يكون المسيحيون في حاجة إليها.. فيما تنتقد دولا أوروبية وتتظاهر ضدها، حال اتخذت من الإجراءات ما يخفف من ظاهرة انتشار الحجاب وتمدد المساجد في كل مكان، وبشكل قد يستفز أوروبا المسيحية؟!
لكل دولة هويتها المعمارية "المساجد" في الدول المسلمة.. و"الكنائس" في الدول المسيحية.. ولكل دولة حق الحفاظ على هويتها.
هذه الإطالة مهمة لفك كثير من العقد، وفتح أبواب للفهم وتفهم حقوق الآخرين.. ولمد مظلة للتعايش مع العالم، بدلا من الصدام معه، والذي كلف العالم الإسلامي فاتورة باهظة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف