احياناً أهم بكتابة رسالة أو مقال صحفي فيتحول منذ البداية إلي القصة التي كانت تشغلني وتشاغلني وعندما انتهي من كتابة القصة فإني أعيد النظر فيها بين حين وآخر حتي اطمئن في النهاية إلي إمكانية نشرها فإذا نشرت لم يعد لي بها بعد ذلك صلة ولان الفكرة حين تختار لحظة تسجيلها تكون اشبه بالمولود الذي لابد ان يغادر بأكمله رحم أمه فإني اكتب بسرعة دون توقف ما يشغلني هو التدوين فحسب ربما اتوقف أمام كلمة أو جملة أو مواقف كاملة فاتجاوز ذلك كله واترك السطور مكانها خالية وأواصل الكتابة علي ان أعود إلي السطور الخالية بعد ذلك فأحاول ان أسود بياضها. بعض أعمالي واتتني "هل. علي سبيل المثال" وأنا في حلم يقظة وحين قرأتها لم أضف إليها- ولا حذفت- حرفاً نقلتها علي الالة الكاتبة بصورة الكتابة الاولي "لم أكن قد تعرفت إلي الكمبيوتر بإمكاناته المذهلة"! كنت اتردد في البوح بذلك الامر حتي عرفت انه يحدث للكثير من الادباء. اذكر قول همنجواي يحدث لي أحيانا ان أحلم بالسطور نفسها وفي هذه الحالة فإني استيقظ وأكتبها وإلا ربما نسيت الحلم تماماً كانت كوليت تقضي الصباح كله في كتابة جملة واحدة وأنا أفضل ان أترك لهذه الجملة موضعها في السياق ثم أتأملها أضعها في بالي أحاول صياغتها في حياتي العادية: في البيت في المكتب في الطريق حتي إن تشكلت علي النحو الذي أطمئن إليه ملأت بها الموضع الخالي من السياق.
تعمد وصل الجمل بالمعاني الغائبة يضر بالعمل الابداعي فأنت قد تقبل - لتكامل النص- كتابة ما. قد يكون في وعيك أفضل منها أنا أكتب القصة القصيرة أو الفصل في رواية في جلسة واحدة لا أترك القلم والورق قبل ان أنهي ما بيدي يملي النص ما يحمله ربما اتجهت الاحداث إلي عكس ما كنت أفكر فيه قبل البدء في الكتابة وربما أبانت الشخصيات عن نقيض ما كنت اتصوره فيها لا أحاول التدخل إنما اترك المسألة برمتها إلي موروثات وقرآءات وتأملات ورؤي وخبرات وتجارب وعلي حد تعبير همنجواي فإن همي الاول وأنا أبدأ في كتابة الرواية- هو ان انجزها إذا صادفت قلقاً في بعض المواقف أو التعبيرات أو حتي الكلمات التي تهب المعني فإني أتجاوزها ليظل الخيط متصلاً إلي نقطة الختام ثم أبدأ في رتق "وأعتذر لرداءة التشبيه" ما أهملته من قبل أو يبدو لي غير منسجم مع النص لا أترك القلم اعتبر النص منتهياً إلا إذا بدا النص جسما مكتمل الملامح والقسمات والتكوين لوحة فنية متكاملة الابعاد والالوان والظلال قطعة نسيج خلت من العيوب التي تقلل من قيمتها لا أقصد من ذلك اني اكتفي بمجرد وضع السواد علي البياض أو علي حد تعبير موباسان اكتب أي هراء ولا يهمني ماذا يكون ثم أنظر فيه بعد حين "أنا أكتب بالفعل أحاول ان اعبر بقدر ما تواتيني الموهبة وحضور اللغة فإذا استعصي التعبير تركت الجملة أو الفقرة حتي لا أفقد المواصلة ثم أعود إلي النص أطيل قراءته أعاودها أتأمل وأفكر وأضيف وأحذف وأبدل حتي اطمئن إلي أني لم أخطئ في صيغة جملة ولا إلي موضع كلمة ولا حرف.. وربما أقدمت علي تمزيق النص لان صورة المولود شوهاء فلن تجدي إعادة نظر عموماً فإنه يجب ان تكون امام الفنان فترات للتأمل وهذه الفترات عندي حين أقود سيارتي أو عند ركوبي المواصلات العامة أو لحظات القراءة تثيرني معلومة فأسرح فيها وربما بعيداً عن المعلومة نفسها قد تأتي لحظات التأمل تحت "الدوش" أو في دورة المياه أو حتي أثناء تناول الطعام إنها تأتي في اللحظات التي انعزل فيها- دون وعي دائما- عن الاخرين أذهب إلي جزر قريبة وبعيدة انتقل بين عوالم واضحة وضبابية وهلامية في هذه اللحظات تواتيني فكرة الرواية أو القصة استكمل الجملة الناقصة أحذف الكلمة الزائدة وربما الحرف الزائد قرأت لفيلكس الكرن إن قلمه كان يجري علي الورق بقدر ما تواتيه السرعة فهو يجعل بعض الكلمات إشارات وخطوطاً ويملأ الصفحات بما يصعب قراءته ربما كان خط الكرن جيداً فهو يكتب- بسرعة كلمات وجملاً واضحة أما خطي فهو سيئ في الكتابة العادية ويصعب علي قراءته أحياناً بعد ان اكتب بسرعة ولولا ان عمل زوجتي بالتدريس لاعوام طويلة فخبرتها في الخطوط طيبة ولولا اني أفلح في القراءة بالتذكر فلعلي كنت سأتخلص من الكثير الذي قرأته يأساً من قراءته.