بعد إعلان السفير الأمريكى لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، أن حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية لا يدخل ضمن خطة السلام التى يتم الإعداد لها الآن فى الكواليس تحت اسم «صفقة القرن»، يبدو أننا يمكن أن نستيقظ على واقع كارثى غير واضح المعالم، لن يخرج عن ثلاثة احتمالات، الأول هو وجود دولة إسرائيل فقط، على أن يكون الفلسطينيون جزءاً منها، وهو حل غير مقبول عملياً بالنسبة لعموم الشعب الفلسطينى، الثانى يمكن أن يكون دولة إسراطين التى دعا إليها فى الماضى العقيد الليبى معمر القذافى، وتصبح هناك مساواة بين الشعبين فى الحقوق والواجبات، كشعب واحد، وهو ما لن يكون مقبولاً للإسرائيليين، ذلك أنه ليس هناك ما يمكن أن يجبرهم على ذلك، الثالث يتمثل فى تبادل أراض إسرائيلية مع دول الجوار، وهو ما لن تقبله أبداً شعوب هذه الدول، حتى لو قبلته الحكومات أو الأنظمة الرسمية.
من هنا يمكن الإشارة إلى صعوبة فرض أى من الحلول على أرض الواقع دون الرجوع إلى الشعوب، إما من خلال استفتاءات، وإما بالتمهيد والإقناع لتهيئة الرأى العام هنا أو هناك، وهو ما يعنى أن أى مفاوضات سرية تعقبها اتفاقيات تنقصها الشفافية، لا يمكن أن يُكتب لها النجاح، وبصفة خاصة فى ظل المتغيرات العالمية التى تنفجر معها الشعوب بين لحظة وأخرى لتقرر مصيرها، دون مؤشرات مسبقة، ودون خوف من بطش حاكم، أو جبروت نظام.
يجب أن نعترف بأن الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية، كما التشرزم العربى، أفقدا المفاوض الفلسطينى أهم أوراقه، ناهيك عن أن تهافت بعض الأنظمة على إقامة علاقات مع إسرائيل، جعلها لا تكترث بالقرارات الدولية السابقة فى هذا الشأن، ومن أهمها قرارا مجلس الأمن رقمى ٢٤٢ و٣٣٨ اللذين أصبحا فى طى النسيان، وبالتالى فإن المتوقع أن يكون الحل إسرائيلياً خالصاً، فى ظل الدعم اللامحدود لتل أبيب من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى عبر عنه قبل وبعد تنصيبه وحتى الآن، إضافة إلى إصراره على نقل سفارة بلاده إلى القدس، فى إجراء ينهى تواجد القدس على مائدة أى مفاوضات حالية أو مستقبلية.
الغريب هو استمرار الممارسات العدوانية الإسرائيلية فى المنطقة، رغم الترويج المكثف للصفقة المنتظرة، إضافة إلى استمرار عملية إقامة المستوطنات فى الضفة الغربية والقدس، رغم الاستنكار الدولى الواسع، والذى لم يرق يوماً إلى اتخاذ موقف حاسم يمكن من خلاله إجبار إسرائيل على وقف تلك الممارسات، حتى بلغ عدد المستوطنين فى محيط القدس الشرقية وحدها ما يصل إلى ٤٠٠ ألف نسمة، بينما زاد عددهم فى مستوطنات الضفة الغربية على ٢٧٠ ألفاً، بعد أن أجبرتهم المقاومة الفلسطينية فى غزة على تفكيك المستوطنات هناك، بل والانسحاب من القطاع ككل، فيما يعرف باتفاق غزة أريحا أولاً.
بالتأكيد سوف نكون داعمين للشعب الفلسطينى فى أى حل يختارون، أو أى صيغة يتوافقون عليها أياً كانت، إلا فى حالة واحدة، وهى أن يكون ذلك الحل، أو تلك الصيغة، على حساب أى من الشعوب العربية أو الدول المجاورة تحديداً، ذلك أننا سوف نكون أمام حالة أقل ما يمكن أن توصف به أنها تصـدير للأزمة، لتصبح صراعاً بين الشعب الفلسطينى وهذا الشعب أو ذاك فى المستقبل، وهو ما لا يجب أن يقبله أى عاقل على أى من المستويات، سواء تعلق الأمر بالسلطة الفلسطينية الرسمية، أو بفصائل المقاومة، التى نثق أنها تزن الأمور بمعايير العروبة قبل أى شىء آخر، ناهيك عن أننا نعى ونعلم أنها قد رفضت وبشدة مثل هذه الأطروحات فى الماضى.
أما على المستوى العربى، فسوف نظل نؤكد أن دور العرب الفاعل فى المنطقة ككل، وحتى فى المحافل الدولية، قد تراجع بمجرد التخلى عن قضيتهم الأولى، أو قضيتهم المصيرية، وهى القضية الفلسطينية، أو قضية الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية عموماً، وهو ما يجعل من اتخاذ موقف عربى جاد وحاسم فى المفاوضات الحالية، ولو من خلال جامعة الدول العربية، أمرا على قدر كبير من الأهمية، فى محاولة لاستعادة ذلك الدور، الذى شغلته إسرائيل حتى فى الصراعات داخل الدول العربية نفسها، وما ذلك الذى يجرى فى كل من سوريا والعراق واليمن وحتى منطقة الخليج إلا أكبر دليل.
ولئن كانت مصر هى الدولة الوحيدة التى حملت على عاتقها فى الماضى آمال وآلام المنطقة العربية والقارة الأفريقية أيضاً، فإن الدور المصرى لا يجب أن تشغله ولاية من هنا أو إمارة من هناك، ذلك أنه لم يكن أبداً تابعاً يوماً ما، كما لم يكن نتاج حالة عشوائية نبتت مصادفةً، وإنما كان نتاج دماء غزيرة ارتوت بها الكثير من البقاع، وثروات طائلة أهدرت، وهو ما يوجب على الشريك المصرى الذى لم يكن أيضاً مجرد وسيط فى أى من الأزمنة، بقدر ما كان طرفاً أصيلاً، أن يكون على قدر المسؤولية فى مواجهة ما يُحاك بالمنطقة من مخططات وتنازلات، تستهدف أولاً وأخيراً أمنه القومى.