سكينة فؤاد
عيد النصر العظيم.. وما فعلنا به!
خمسة أيام وتأتى ذكرى بداية معركة النصر العظيم فى السادس من أكتوبر 1973، سألتنى الصحفية الشابة عن رأيى فى أهم الأسباب التى حققنا بها أعظم انتصار فى تاريخنا الحديث.
قلت: الإعداد والتدريبات القتالية على أعلى المستويات خلال حرب الاستنزاف، واستخدام أحدث العلوم العسكرية وما أضافته إليها الخبرة والكفاءة المصرية والاستعانة بأعداد أكبر من خريجى الجامعات، والقراءة الأعمق لأساليب العدو وخططه واصطفاف الشعب وراء معركة تحرير أرضه، واعتبارها معركة كرامة وشرف ووجود، وإدارة جميع مرافق الحياة داخليا من أجل المعركة التى عاش المصريون ينتظرون قرار إعلانها كلحظة فارقة بين الموت والحياة.. الكل يبحث عن دور فى الإعداد والتجهيز للمعركة لا أحد يفكر أن يتجر أو يتربح باقتصاد الحرب والأمن الغذائى ويرفع أو يحرك الأسعار، حدثنى وزير الصحة أثناء الحرب العالم الكبير الراحل د. محمود محفوظ كيف جهزت المستشفيات وأطقم التمريض والأطباء وكميات الدم التى قد يحتاج إليها المقاتلون.. وفى سباق مع الزمن تسابقت المصانع والمصانع الحربية على وجه التحديد لتوفير الاحتياجات العسكرية والمدنية.. لا أنسى ما حدثنى عنه مقاتلون صغار ومجندون عما يرونه من أهم عوامل النصر.. تحدثوا بحب واعتزاز عن الاحترام المتبادل من القادة لأصغر المقاتلين ومن الجنود للقادة والأثر النفسى العظيم لتقدم القادة للمقاتلين فى الميدان.
قلت للزميلة الشابة أيضا إنه كان من أعظم أسباب الانتصار فى 1973 الانصهار الكامل والثقة بين الشعب وجيشه، وهو ما حدث ويحدث فى جميع مراحل التحدى والخطر عبر تاريخنا الطويل والعميق، وما يجب أن يكون حاضرا وماثلا فيما نواجهه من تحديات وأخطار ومخططات وتآمر أراها تتجاوز ما واجهنا فى حرب 1973.
والسؤال الذى يجب أن نسأله لأنفسنا الآن.. هل حافظنا على المقدمات التى صنعنا بها النصر؟! هل حافظنا على الإنسان وفى القلب منه الشباب الذين كانوا فى مقدمة أسلحة النصر.. هل حافظنا على مقدمات مجتمع متناسق تسوده العدالة الاجتماعية والسياسية والقيم الإنسانية من خلال جميع آليات بناء الإنسان التربية والتعليم والصحة والعلاج والثقافة والإنتاج وعدم التمييز وكل ما يستدعى فى المصريين دائما مدخرهم التاريخى من قدرة على التفوق والعطاء والانتصار؟!!
للأسف، ومنذ تحقيق النصر بدأ ينفرط كل شيء، ابتداء من دخول مرحلة الانفتاح السداح مداح ـ كما سماها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين ـ والاستسلام لأوهام آخر الحروب والسلام المدعى لكيان تحكمه عقيدة التوسع، تعمدت إسرائيل ألا تنص فى دستورها على حدود لدولة الاغتصاب، وتحول النصر العسكرى إلى تضخم لرأسمالية توحشت وصنعت تحالفاتها مع السلطة وكان ثالثهما الفساد وخطط الاستعمار الجديد لإعادة تقسيم المنطقة وترسيم حدودها كما قالوا بدماء أبنائها، بداية من هدف من أخبث الأهداف أن يفقد المصريون المقومات التى صنعوا بها معجزة 1973 فى حرب أعدت وجهزت ودُعمت ليكون الانتصار فيها من المستحيلات!!
ليس مدهشا أن توجد مخططات لتدمير الشباب، وأن يشيع بينهم ما يهدر طاقاتهم الإيجابية تحت شعارات براقة، وأن ينتشر بينهم وبأرقام مخيفة الإدمان والمخدرات، وتصل الكارثة أن توجد فى سيارة قاضى وسيارة إسعاف! وأن ينتشر التدمير العقلى والروحى والتخلف باسم الدين الحنيف، وتعلو موجات الغلو والتطرف لتقتل وتروع باسم الإسلام، وليكون المردود الإلحاد أو جماعات إرهابية تتحول إلى أدوات للتقسيم والصراع، وأن يسود التمييز وينتشر بين أبناء الوطن الواحد الإحساس بالظلم والتفرقة وانعدام العدالة وتتحول إلى جماعات متنابذة ومتصارعة.
كيف قبلنا أن يتحول النصر الذى تحدثت به الدنيا إلى هزائم سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية واندحار للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وانهيار للزراعة والصناعة، وكل ما مهد الأرض للمخططات التى أُعدت وجُهزت للمنطقة ولم يتوقف الإعلان عنها منذ ثمانينيات القرن الماضى والتى تجتمع كلها على هدف واحد... أن يحقق الكيان الصهيونى ما منعه المصريون جيشا وشعبا من تحقيقه فى السادس من أكتوبر 1973!!
ولم يتوقف إعلانهم عن مخططات الفوضى أو العنف الخلاق وإعادة تقسيم المنطقة. وأحدث ما قرأته عن هذه الوثائق جاء فى كتاب مهم للواء عبد الحميد خيرت وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، بعنوان «الحصاد الأسود.. ما فعله الإخوان بمصر»، وما جاء فى وثيقة صهيونية نشرت فى مجلة «كيفونيم» العبرية عن تفتيت العالم العربى لدويلات صغيرة على أن تنطلق خطة التقسيم من العراق وحتى مصر وتمر بسوريا ولبنان والأردن والسعودية والسودان ودول شمال إفريقيا إلى جانب باكستان. استراتيجية هدفها أن ينهار العالم العربى ويتفكك إلى «موزاييك» من كيانات عرقية ودينية صغيرة اعتمادا على أن العالم العربى مكون من أقليات وطوائف مختلفة، وأنه معرض للانفجار وخطر التفتت العرقى والاجتماعى من الداخل وصولا إلى الحروب الأهلية، وأن خطر العراق على إسرائيل يوجب تقسيمها إلى ثلاث دويلات أو أكثر حول المدن العراقية الكبري. أحدث شواهد المضى فى تنفيذ المخطط الاستعمارى حدث الاسبوع الماضى فقط فى استفتاء استقلال الأكراد!! وكأننا أمة لا ترى ولا تسمع ولا تغضب ولا تتعلم ولا تثور لكرامتها، وعندما ثار المصريون فى 30/6 على فصيل عميل من الفصائل والجماعات الإرهابية التى أعدوها لتنفيذ مخططاتهم لم تتوقف الحرب على المصريين... ظنوا أنهم استطاعوا القضاء على المقومات التى صنعوا بها نصر 1973.
ورغم موروث عشرات السنين من التدهور والإهدار والتخريب والتبديد فى الثروات المصرية البشرية والطبيعية اكتشفوا أن الكثير من المكونات والمقومات الأصيلة مازالت كامنة. رغم ما تعرضوا له ومازالوا ـ وأنها تحتاج إلى البعث والإحياء فازداد شن الحرب عليهم ـ ليس من الخارج فقط ـ الحرب من الداخل أخطر وأشرس يتكاتف فيها توحش الثروة والفساد والتوابع والعملاء!!
هل نستطيع أن نجدد العوامل التى إذا توافرت للمصريين جددوا صناعة النصر...؟
نعم.. فالمصريون شعب يكمن ولا يموت، ولكن يحتاج توافر مقومات البعث والإحياء والتى يجب أن يكون القدرة عليها المحك الأساسى لصلاحية واختيار كل مسئول، وقياس لصلاحية مجلس نواب يسارع إلى استصدار القوانين التى توفر وتحمى هذا المناخ وتفرض السياسات الاقتصادية التى تدير رءوس أموال الوطن وثرواته البشرية والطبيعية لصالح إحياء المقومات التى أراد مخططو الفوضى والعنف والتقسيم أن تنهزم وتضيع بحيث لا يستطيع أن يحارب وينتصر مرة أخرى فى عشرات المعارك والتحديات التى فرضت عليه، وفى مقدمتها معارك البناء والتنمية والحرب على الإرهاب والفساد وإصلاح كل ما ترك يتدهور وينهار فى بلاده، ويقاوم مخططات تخلف وتخريب العقول والأرواح وليحقق الصهاينة ما فشلوا فى تحقيقه وانتصار المصريين العظيم فى أكتوبر 1973!!
>36% زيادة فى كروت الشحن..!!
سؤال لمن فعلها.. هل يحتمل المصريون أى زيادات جديدة فى تكاليف الحياة؟!! ما لزوم مجلس نواب يتخذ القرارات دون عودة إليه... أحذر وأنبه وأدعو كما دعوت من قبل لدراسات أعمق للقرارات خاصة الاقتصادية وأثرها ومردودها على الملايين، وهل يحتملون المزيد من هذه الزيادات المتتالية فى بلد يشهد من الغنى الفاحش الأقصى لقلة قليلة، ومن المعاناة أقصاها أيضا ولكن للقاعدة العريضة والغالبة من ملايين المصريين.