المساء
خيرية البشلاوى
أحمد إبراهيم.. حاجة حلوة في الموسيقي العربية
عندما تحظي بحضور حفل يضم مغني مصري بروعة أداء وقوة صوت الدكتور احمد ابراهيم أحد أعضاء فرقة الموسيقي العربية النابهين حينئذ سوف تكتشف المعني المقصود بالقوة الناعمة انه ذلك التأثير الفعلي والايجابي النافذ الذي يتسلل مباشرة إلي الوجدان والقلب ويوقظ الوعي.
في حفل توزيع جوائز الأعمال الدرامية الفائزة هذه السنة 2017 الذي أقامه المجلس القومي لحقوق الإنسان في دار الأوبرا المصرية منذ اسبوعين غني هذا الفنان الأكاديمي الحاصل علي الدكتوراه وأسمعنا مقتطفات من ألحان عبدالوهاب وسيد درويش ومقاطع من أغاني فيلم "النمر الأسود" التي تم اختيارها بعناية لتشكل في مجموعها "حالة" من الحماس والشجن العاطفي أشاعت جواً من البهجة وفيضاً من المشاعر الدافئة وحقق قدرا كبيرا من التفاعل الحميم مع هكذا معاني جميلة وألحان عذبة أليفة وعزيزة.
صوت المطرب المصقول بالمعرفة والتدريب والتمرس لا شك ينعش الروح ويقوي أواصر الانتماء الوطني واسمع:
"شايلك في قلبي وفاكرك يا مصر صوتك بيعصر في قلبي عصر".
"اتقدم.. اتقدم وكفاية خلاص تتندم. للشمس للنور مش هيعطلنا سور.. اتقدم.. اتقدم".
كلمات شعراء وألحان موسيقيين يشكلون بدورهم قوة ضاربة في مخزون الأسلحة الناعمة.
فالقوة الناعمة حقيقة ملموسة وسلاح تملكه مصر في مجالات الأغنية والموسيقي والفنون السمعية ـ المرئية عموما وفي مجال الأدب والشعر والرياضة.. فآه لو تم ترشيد انتاج هذه الذخيرة لتدعيم التقدم وتصويب ما تعرضنا له من تدمير واجهاض لتأثير هذه القوي حقبا عديدة.
الفنان أحمد إبراهيم بطموحه وفهمه الواعي لدوره كمغني وموسيقار ومطرب بمقدوره أن يسهم في تكريس قيم الانتماء والحفاظ علي الهوية وتطوير الفن الشرقي الأصيل والعمل علي انتشاره في كل شبر في مصر.
واليوم ونحن نحيي ذكري وفاة الزعيم العظيم جمال عبدالناصر وفي نفس التوقيت تقريباً نحتفل بذكري انتصار أكتوبر نحتاج أكثر وأكثر لتأثير أسلحة القوة الناعمة إلي أصوات مخلصة تسبح بمشاعرنا إلي أعماق "الحالة المصرية" النقية التي شكلت وتشكل القسمات النفسية والسلوكية والإنسانية للزعيم وكذلك تشحن البنية العقلية للشعب الذي خاض غمار الحرب الضروس وانتصر في 1973 تشحنها بالأفكار والرؤي التي تدفع هذا البلد الأمين إلي الشمس والنور "نور المعرفة والوعي وحتمية الانتماء كمرفأ وحيد للتقدم والأمان".
لم يكن الزعيم الذي أوجع برحيله قلوب عشرات العشرات من الملايين العربية وصارت صوره وتماثيله وخطبه وميراثه الوطني الشعبي وقوداً لمصابيح الأمل إلا تجسيداً لهذه "الحالة المصرية" وضوءا هاديا لكل ما نؤمن به ونتوق إلي تحقيقه.
أتمني أن يتضمن الاحتفال بانتصارات أكتوبر المجيدة أصواتاً مصرية أصيلة وأغاني عذبة وطنية عاطفية كصوت هذا المطرب وباقي أعضاء فرقة الموسيقي العربية القادرة علي جذب أجيال جديدة شاء حظهم العاثر في زمن الانحطاط الثقافي أن يدرسوا تاريخا مشوها ومحترفا وأن يعاصروا فترات تسلطت علي مقدراتها مظاهر الزيف والقبح أفسحت المجال لنخبة تمكنت من امتطاء بعض تياراتها السياسية والاجتماعية وهي لا تري علي الأرض إلا قطوف ثمارها دون أن تبذل جهدا حقيقيا في انبات الثمار وما بذلته كان من أجل تجريف هذه الأرض وتبويرها.
وبينما نحتفل بالذكريات الأليمة التي رافقت رحيل "الزعيم" وتزامنت مع الاحتفال بذلك الحدث الجليل الذي أنجزه جيش مصر العظيم يمكننا أن نضمد الجراح وننسي الألم ونتقدم دون ندم ونستعين بما نملكه لإحياء بذور الثقة والتفاؤل حتي نواجه التحديات الكبيرة التي لا تنتهي.
فنحن نعيش حالة حرب خبيثة وخسيسة تتضمن كل أنواع الأسلحة المفزعة "إرهاب. دواعش. شذوذ. خونة. أندال يحاولون تقمص أدوار ليسوا أهلاً لها".
ونموذج أحمد ابراهيم وهذا النوع من الفنون المؤثرة التي تدعم الروح الوطنية وتقوي الحماس وتنتصر لقيم العمل وللإنسان بشكل عام هو المطلوب في هذه المرحلة.
إنه فنان متعدد القدرات والمسئوليات في مجال الفنون والثقافة وهو ينتمي روحاً وعقلاً للميراث الثقافي الفني والموسيقي المصري العربي ويعي قيمة الالتزام في كل ما يقوم به من نشاطات ويدرك دور الفن في تهذيب النفوس وشحذ الهمم وشحن الروح بالقيم الإيجابية لا يتردد في احياء المناسبات الوطنية والدينية والقومية دون حسابات مادية ومكاسب دنيوية زائلة.
وبرغم تعليمه الأكاديمي وحصوله علي الدكتوراه من أكاديمية الفنون إلا انه لديه حساً شعبياً قومياً يعايش مشاعر العامة والخاصة وأغانيه تشبع هذا الحس.. فلا خلاف علي تأثير صوته بما يحمله من شحنات شجن ودفء قريب من زائقة الناس فهو يمتلك رصيدا كبيرا من الانتاج في مجال "الأغنية ومقدمات المسلسلات والحفلات التي تقيمها دار الأوبرا المصرية" ورغم ذلك فإننا نفتقد هذا الإنتاج أحياناً علي الشاشات علماً بأننا نراه الأنسب والأكثر تجاوباً مع المناسبات العامة.. وأحمد إبراهيم ليس في حاجة إلي تشجيع فالجمهور المهتم والمتابع لحفلات الموسيقي العربية يشهد بأنه قيمة كبيرة وألحانه وأغانيه تشكل جسرا يمتد بامتداد الشعوب العربية فقد غني الموال والتواشيح الدينية والأغنية العاطفية والدرامية والوطنية.
إنه بالفعل "حاجة حلوة" علي خريطة فنون الموسيقي العربية وأحلي "حالة" في المناسبات العزيزة مثل تلك التي نعيشها اليوم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف