د . جمال المنشاوى
زيادة السكان ..نعمة أم نقمة؟!..مصر والصين ..نموذجاً !
سُئِل الرئيس الصيني ذات يوم (عندكم مليار فم يطلبون الطعام يومياً فكيف ستوفرونه لهم؟!) فأجاب (تذكروا أن عندنا 2مليار يد مُنتِجه !), وكان هذا قبل أن يظهر التعداد الأخير للصين بمليار و300مليون نسمه, كان هذا الرد يُمثل الفلسفة والمنهج الذي انتهجته حكومة الصين لمواجهة زيادة السكان, وهو ما خالفت فيه قائد ثورتها ماوتسي تونج الزعيم الشيوعي والتاريخي للبلاد الذي كان يٌحس أن تلك الزيادة ربما تمثل عبئاً ثقيلاً, فقال ذات يومٍ (مرحباً بالحرب فلو أكلت مائه مليون أو أكثر فسنكون مُمتنين لها ), وحاول تقليل عدد السكان باتخاذ إجراءات صارمة نحو تحديد النسل بطفلٍ واحد, وإتباع سياسة المزارع والمصانع الجماعية في تطبيقٍ صارم وقاسي لأفكاره الشيوعية, وطبق القاعدة الشيوعية (من كلٍ بقدر طاقته..ولكلٍ حسب حاجته), فاستنزف طاقة شعبه في العمل, وأعطاهم الحد الأدنى من الطعام والشراب والكساء والمسكن, في أوضاعٍ اجتماعية مُزرية وقاتلة للطموح الإنساني, لكن القيادة الجديدة رأت أن زيادة السكان هذه مكسب للبلاد إن أُحسِن استغلالها, وأن هذه العمالة لو وُظِفت بطريقة منظمة وعلمية لأدخلت ثروة للبلاد لا تقدر, وقد كان, دربوا تلك العمالة, وخصصوا لكل منطقة صناعة معينة أو سلعة معينة يبرعون في صناعتها ويعمل فيها الجميع, وأعطوا للعامل الصيني ما يقارب دخله لو هاجر للخارج, وفتحوا باب المنافسة, وجعلوا الربح بقدر العمل وليس بقدر الحاجة, وفتحوا الباب للاستثمارات الخارجية التي وجدت في العمالة الصينية المُدربة والرخيصة نسبياً مقارنة بالعامل الأمريكي أو الأوربي ضالتها, وفرصة لزيادة التوزيع بالخارج, وأصبحت الصين تنتج كل شيء لكل بلدان العالم بما يناسبها, حتى أنها صنّعت وصدّرت للبلاد الإسلامية سجاجيد الصلاة وسبح الأذكار وساعات ومنبهات الآذان, وحتى فوانيس رمضان التي تغني الأغنية الشهيرة (وحوي ياوحوي)؟!, وارتفع دخل المواطن الصيني من 150 دولار إلي 6400 دولار أي أكثر من 110 آلاف جنيه مصري, فلو ضربته في مليار وثلاثمائة ألف لصار رقماً مهولاً,و أرتفع الاحتياطي النقدي إلي أكثر من ثلاثة تريليون دولار (الاحتياطي المصري 36 مليون دولار ويتفاخرون به), وصار الاقتصاد الصيني أعلي معدل نمو في العالم , وثاني أكبر اقتصاد في بعد الولايات المتحدة , ولم ينس الصينيون أن يحاربوا الظاهرة التي تقسم ظهر البلاد والعباد وهي ظاهرة الفساد, فوأدوها في مهدها ولم يتركوا لها فرصة للنمو والانتشار ولم يبرروها بأن الفساد منتشر في العالم كله, وأن عددنا كبير فلا يضيرنا أن وُجِد فينا بعض الفاسدين, بل سنوا قوانين في منتهي الشدة منها الإعدام لمن ثبتت عليه الرشوة , أو الإهمال المتعمد والذي يؤدي إلي الإضرار بالغير كما حدث في قضية ألبان الأطفال التي أدت لموت 18طفلاً فتمت محاكمة كل من ساهم وشارك في هذه الجريمة وإعدامهم في محاكمة لم تستغرق يومين, في محاكمة ناجزة وسريعة وحاسمة.
تجربة الصين جديرة بالتأمل وبالتقليد لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد, فلو التفت لها المسئولون المصريون الذين يلطمون الخدود ويشقون الجيوب ويدعون بدعوى الجاهلية بعد أن أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن عدد سكان مصر بلغ 104 مليون نسمه, منهم 94 مليون بالداخل والباقي يعملون بالخارج, فوجدوا في هذا العدد, (المُنقِذ والشماعة التي يستطيعون تعليق كل التأخر الموجود في البلاد, والغلاء الفاحش, وإلإقتراض الفج الغير مسبوق الذي وصلت ديونه الخارجية إلي 79 مليار دولار أي تريليون ونصف جنيه مصري, مما يورط البلاد والأجيال القادمة في كارثة لا يعلم كيف يتم تجنبها إلا الله) عليها, والمشكلة الأكبر أن طرق صرف هذه القروض بهذا الحجم الرهيب غير واضح, ولا يتعرض لها مجلس الشعب ولا يسأل عنها الحكومة من أين اكتسبته أو اقترضته وفيما أنفقته؟!, والحكومة تُظهر الورع الكاذب وتتقمص دور المُحسِن الذي ينفق فلا تعلم شماله ما أنفقت يمينه!.
لم تضع الحكومة في حُسبانها أن هذه الثروة البشرية يُمكن استغلالها أحسن استغلال بتدريبها تدريباً راقياً, خاصة أن أكثر من نصف هذا العدد من الشباب الذي مافتأ يسعى للخروج من البلاد بأي صورة, لكن يعوقه قلة الكفاءة ونقص التدريب حتى في المهن التخصصية كالطب والتمريض وغيرها.
لم يسعى المسئولون لكيفية استغلال هذا العدد من الشباب المُلتحق بجامعات وكليات أغلبها لا يعلم شيئاً سوي شهادات للوجاهة, تستنزف أموال الأسر في ملهاة كوميدية تخرج شباباً قد لا يجيد كثير منهم القراءة أو الكتابة ناهيك عن مهنة يستطيع بها أن ينافس في سوق العمل الدولية.
لم تضع الدولة خطة للتعليم المهني أو ترفع من قدره أو ترفع مرتبات خريجيه, ولم تستفد من مدارس الصناعات أو المدارس والجامعات المهنية المتخصصة في جانب واحد من مهن سوق العمل بحيث يكون هذا الشخص قابلاً للتصدير أو يستطيع بدء مشروعه بنفسه في خطة عامة قومية .
لم تسن الدولة القوانين المكافحة للفساد, ولم تُظهر الجدية في محاربته بل قدمت مثالاً سيئاً للتصالح مع رموزه مما أصاب غالبية الشباب بالإحباط وهم يرون من سرقوا ماله, واستنزفوا ثروته ينعمون بأمواله ويتصالحون بثمن بخس دراهم معدودة وهم فيها من الزاهدين.
لم يضعوا تجربة الصين التي حولت كثرة السكان إلي غول ونمر اقتصادي يغزو العالم بحسن التخطيط والشفافية .
لا حجة لكم أيها السادة في ترديد تلك الأسطوانة المشروخة والمجروحة أن زيادة السكان هي يأجوج ومأجوج التي تلتهم الأخضر واليابس من ثروات البلاد , فقد ثبت تفاهتها وبطلانها علي أيدي النمر الصيني.!