الأهرام
فتحى محمود
التنشئة على المواطنة
فى نهاية مقالى الأسبوع الماضى عن تردي القيم الأخلاقية فى المجتمع، بمناسبة الحديث عن رفع راية الشواذ بحفل موسيقى فى التجمع الخامس، طالبت بضرورة تدخل علماء الاجتماع والخدمة الاجتماعية والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية لبحث الظواهر المجتمعية السلبية التى نعانى منها بشدة الآن، وأننا بحاجة إلى تضافر جهود مؤسسات كثيرة للنهوض بالشباب، فى مقدمتها مؤسسات الثقافة والإعلام التى لم تقدم حتى الآن المرجو منها فى هذا المجال، وتحتاج إلى اهتمام أكبر من القائمين عليها بقضايا الشباب، وسبل غرس القيم الإنسانية وروح الانتماء لديهم.

وقد عقبت الأستاذة الدكتورة لبنى عبد المجيد استاذ التخطيط الاجتماعى بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان على هذا الموضوع بالقول : إن دولة كبيرة كمصر تواجهها كل انواع التحديات وتعج بمشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية من كل نوع ويتربص بها اعداء من كل شكل تحتاج ليس لمركز بحوث اجتماعي حكومي وطني واحد، فمراكز البحوث الاجتماعية بالعالم أصبحت مسئولة ليس فقط عن البحث واقتراح الحلول ولكنها تتولي أيضا مسئولية تجريب وتقويم برامج ومشروعات العلاج الاجتماعي وتصنع معا سياسات مواجهة المشكلات الاجتماعية. واضافت عبر صفحتها على الفيس بوك إن المراكز الاهلية والخاصة تحقق اهداف مموليها، ومشكلاتنا أصبحت أكثر تعقيدا عن ذي قبل، ونحتاج لمراكز بحوث وتجريب متخصصة في بحث وعلاج المشكلات ذات الأولوية .

إن اتساع مصر الجغرافي وتنوعها الثقافي يحتم وجود مراكز بحوث وتجريب وتقويم اجتماعية اقليمية .. حياتنا الاجتماعية والثقافية هي رأس الحربة التي ينفذ منها اعداؤنا الينا في زمن حروب التفكيك والتخريب .. ما أحوجنا الي التعامل مع مشكلاتنا الاجتماعية والثقافية بطريقة علمية .. الاعلام والاعلام الاجتماعي في هذا المجال ضجيج بلا عائد حقيقي.

وعندما طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي مشكلة زواج القاصرات على هامش الإعلان عن نتائج التعداد العام للسكان، أشارت الدكتورة لبنى عبدالمجيد إلى أن زواج القاصرات والطلاق والادمان ليست مجرد مشكلات اجتماعية عادية .. ولكنها من أنواع المشكلات التى تقود لمشكلات من كل الانواع ، فتأثيرها اقتصادي وسياسي واخلاقي وتأثيرها السلبي عادة يمتد لأجيال من البشر متجاوزا الأسرة الحالية لأسر مستقبلية ولعقود زمنية .. وايضا تتجاوز المنزل الي المجتمع المحلي فالمجتمع الكبير .. وتعطل التنمية في كل مؤشراتها .. ولحسن الحظ ان القيادة السياسية واعية بذلك، ويبدو أنها مؤيدة ايضا لبداية عمل وطني مخطط وعلمي وتشاركي لعمل اجتماعي علاجي حرصا علي مصلحة الوطن، ودعما لخطط التنمية .. أين اذن مؤسسات العمل الاجتماعي بمصر !!!! وما هي استجابتها لما طرحه الرئيس منذ شهور مثلا لمواجهة أزمة الطلاق بالأسر المصرية .. واعتقد اننا بحاجة لمراجعة رد فعل مؤسسات امريكا الاجتماعية لاهتمام أوباما بمشكلة التأمين الصحي أو رد فعل مؤسسات بريطانيا الاجتماعية حينما أثارت الملكة قضايا المسنين، واعلنت انحيازها .. مؤسسات العمل الاجتماعي بمصر الي متي سنظل نهدر فرص التأييد والدعم ؟؟؟؟؟؟ اجلسوا مع بعضكم لوجه الله واشتغلوا صح وانقذوا مصر من هشاشة اجتماعية خطيرة تأكل الأخضر واليابس .. محدش فذ حيقدر يغير لوحده. هذه الصرخة من أستاذة جامعية وخبيرة اجتماعية كبيرة توضح بجلاء مدى عجز مؤسساتنا الحالية عن التعامل بجدية مع الظواهر الخطيرة التى يعانى منها المجتمع.

لكن من حسن الحظ أنني تابعت فى الوقت نفسه خطوة إيجابية مهمة على الطريق، خاصة أنها تتعلق بواحدة من أهم القضايا التى تواجه مجتمعاتنا العربية الآن، وهى قضية المواطنة، فقد أطلق المجلس العربي للطفولة والتنمية منذ أيام جائزته البحثية بعنوان «جائزة الملك عبدالعزيز للبحوث العلمية في قضايا الطفولة والتنمية في الوطن العربي»، وذلك تحت رعاية وبمبادرة من صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية، وبحضور عدد من ممثلي السفارات العربية والخبراء، وممثلي المنظمات التنموية المعنية بقضايا الطفولة والتنمية.

وأشار الدكتور حسن البيلاوي الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية الفعالية إلى أن المجلس قد خصص هذه الجائزة واختارت «التنشئة على المواطنة» موضوعا لدورتها الأولى (2017 - 2018)، وأن اختيار هذا الموضوع يرجع إلى الأهمية الشديدة له ولارتباطه بالتوجه الاستراتيجي للمجلس، ولكونه يرتبط بالفضاء بين المواطن والدولة، مضيفا أن هذا الفضاء مملوء بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، رغم أن هذا الفضاء يجب أن يكون مواتيا ومستنيرا، يحقق سياسات حماية اجتماعية تمكن المواطن من أن يشعر بالمواطنة والانتماء، ويكون قادرا على المشاركة وعلى الإنتاج والتفاعل وممارسة الحريات والديمقراطية.

وهو ما أكده محمد رضا فوزي مدير إدارة البحوث وتنمية المعرفة بالمجلس فى حديثه عن مبررات الجائزة واهدافها الرامية إلى تعميق ثقافة حقوق الطفل من خلال إثراء البحث العلمي في مجالات الطفولة، ودعم وتحفيز الباحثين المنشغلين بقضايا الطفولة في البلدان العربية، ومشيرا أنها تستهدف تجميع البحوث بأنواعها المختلفة، سواء نظرية أوميدانية أو مسحية، والتي يمكن أن تفيد العاملين في مجال الطفولة من قبل الباحثين الأفراد وليس المؤسسات.

وقد تحدث خلال الاحتفالية - التي حضرها أكثر من 120 مشاركا من عدة دول عربية وعدد من الخبراء والمعنيين بقضية التنشئة، حيث اكدوا خلال مداخلاتهم أن قضية المواطنة ليست قاصرة على الأطفال، وإننا لسنا في حاجة لمعرقة المواطنة فقط بل ممارستها، واننا نستهدف المواطنة التي ترفض التهميش والتمييز، وتحقق العدالة الاجتماعية وتواجه الارهاب والفكر الأصولي والظلامي، لأنها تعد أساس بناء الدولة الحديثة، وتحقيق التنمية المستدامة.

والحقيقية أننا بحاجة إلى دعم كبير لقضية المواطنة، وتنشئة الطفولة عليها كسبيل لمعالجة كثير من الظواهر الإجتماعية الحالية، وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى قضية المراكز البحثية المتخصصة التى اصبحنا بحاجة ماسة إلى الكثير منها لمتابعة التطورات المتسارعة فى المجتمع، وكذلك مدى قدرة المؤسسات الإجتماعية على إعادة تنظيم نفسها لتكون لديها القدرة على التعامل مع تلك الظواهر، وايجاد الحلول اللازمة لها، وهو أمر لا يحتمل تضييع الوقت أكثر من ذلك.

> كلمات:

العدو الذي يقع يمكنه أن يعاود الوقوف، أما العدو الذي تم إرضاؤه فقد تمت هزيمته حقاً.

فريدريش شيلر شاعر وأديب ألماني
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف