ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﺸﺪ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻌﺮﺍقى، ﻋﺒﺪﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻗﺎﺳﻢ، ﻗﻮﺍﺗﻪ فى ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺳﺘﻴﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻤﺎضى، ﻭﻫﺪﺩ ﺑﺎﺟﺘﻴﺎﺡ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ، أرسلت ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻗﻮﺓ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ، ﺿﻤﺖ ﻛﺘﻴﺒﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ، ﻟﻠﻤﺴﺎﻋﺪﺓ فى ﺻﺪﺍﻟﻐﺰﻭ إذا ﻭﻗﻊ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻧﺘﻬﺖ ﻣﻬﻤﺘﻬﻢ ﻭﺍﺻﻄﻔﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﻟﻴﺴﺘﻘﻠﻮﺍ ﻃﺎﺋﺮﺗﻬﻢ ﻋﺎﺋﺪﻳﻦ، ﺗﻘﺪﻡ أحد ﺃﻣﺮﺍﺀ ﺃﺳﺮﺓ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﻞ ﻋﺴﻜﺮى ﻇﺮﻓﺎ ﺿﺨﻤﺎ ﻣﺤﺸﻮﺍ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕﺍﻟﻔﺎﺧﺮﺓ، ﻓﺎﻧﺘﻈﺮ ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻠﻮﺍﺀ ﺃركان حرب، ﺻﺪﻳﻖ ﺍﻟﺰﻳﺒﻖ، ﺣﺘﻰ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺳﻤﻮ ﺍﻷﻣﻴﺮﻣﻦ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟمظروفات، ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﺻﺎﺡ ﺑأعلى ﺻﻮﺗﻪ ﻣﻮﺟﻬﺎ ﺍﻟﻨﺪﺍﺀ ﻟﻀﺒﺎﻃﻪ ﻭﺟﻨﻮﺩﻩ ﻃﺎﺑﻮﺭ، ﺻﻔﺎ، ﺍﻧﺘﺒﺎه: «ﺃﺭﺿﺎً ﻇﺮﻑ» أى ﺿﻊ ﺍﻟﻈﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺍلأرض، ﻭﻧﻔَّذ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﺍلأمر، ﻭﻭﺿﻌﻮﺍﺍﻟمظروفات ﻋﻠﻰ ﺍلأرض ﺑﺪﻭﻥ أى ﺗﺬﻣﺮ، «ﻣﻌﺘدل ﻣﺎﺭﺵ» ﻭﺗﺤﺮﻛﻮﺍ ﻭﺭﻛﺒﻮﺍ ﻃﺎﺋﺮﺗﻬﻢ ﺗﺎﺭﻛﻴﻦ ﺍﻟمظروفات ﻭﺍﻟﺴﺎﻋﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍلأرض، ﻭﻭﻗﻒ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺣﻀﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﻣﺸﺪﻭﻫﺎ!!
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ التى أراد ﻗﺎﺋﺪ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ أن ﻳﻨﻘﻠﻬﺎ للأشقاء ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻴين، أن لا ﺷﻜﺮ أو ﻣﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﺟﺐ، ﻧﺤﻦ ﻟﺴﻨﺎ ﻣﺮﺗﺰﻗﺔ، المهم أنه ﺑﺴﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ، ﻭﻟﻤﺎ ﻋُﺮﻑ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﻨﺪى ﺍﻟﺴﻮﺩﺍنى ﻭﻗﺘﺬﺍﻙ ﻣﻦ ﺑﺴﺎﻟﺔﻭﺍﻗﺘﺪﺍﺭ، ﺍﺳﺘﻌﺎﻧﺖ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﻌﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﻴﻦ لإنشاء أول ﻛﻠﻴﺔﺣﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ﻳﺴﺘﻘﺒﻠﻬﻢ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻓﺘﺮﺓ ﻋﻤﻠﻬﻢ إذا ﺩﻋﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ، ﺑﺪﻭﻥ ﺃى ﺣﻮﺍﺟﺰ أﻭ ﻗﻴﻮﺩ فى أى ﻭﻗﺖ ﻣﻦ ﺍلأوقات، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ اللواء ﺍﻟﺰﻳﺒﻖ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻴﺪ ﻭﻗﺘﻬﺎ أ. ﺡ ﻣﺰﻣﻞ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻏﻨﺪﻭﺭ، ﻭﺍﻟﺮﺍﺋﺪ ﻋﻤﺮ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻄﻴﺐ.
ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ ﻟﻠﺰﻳﺒﻖ ﻭﻗﻮﺍﺗﻪ ﺗﻢ إنتاجه ﻓﻲ ﻓﻴﻠﻢ ﺳﻴﻨﻤﺎئى ﻗﺼﻴﺮ، ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍلسودانى ﻋﺒﺎﺱ أحمد ﺍﻟﺤﺎﺝ، ﺑﻄﻠﺐ ﻣﻦ ﺳﻔﻴﺮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥﻭﻗﺘﺬﺍﻙ فى ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ، ﻭﺗﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤﻪ إﻟﻰ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳتى ﺍﻟﺬى ﺑﻜﻰ ﻋﻨﺪ ﻣﺸﺎﻫﺪﺗﻪﻟﻪ، ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻳﺎﻓﻌﺎً ﻳﻘﻒ ﺑﺠﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺪﻩ ﺍلأمير ﺍﻟﺬى ﺍﺗﺼﻞ ﺑﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﻟﻜﻮﻳتى ﻭﻃﻠﺐ ﺣﻀﻮﺭﻩ، ﻭﻋﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻔﻴﻠﻢ ﻓﺒﻜﻰ أيضاً، ﻭأمر ﺑﺘﺠﻬﻴﺰ ﺧﻤﺴﺔ ﺁﻻﻑ ﻧﺴﺨﺔ ﻭﺗﻮﺯﻳﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ فى ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻜﻮﻳتى.
ﻋﻨﺪ ﺣﻀﻮﺭ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳتى ﻟﻠﺘﺮﺣﻴﺐ ﺑﻮﻓﺪﺳﻮﺩﺍنى زائر ﻟﻠﻜﻮﻳﺖ بقيادة ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍنى ﻟﺸﺮﺡ (ﺍﺗﻔﺎﻕ ﺳﻼﻡ ﺍﻟﺸﺮﻕ) ﺑﻌﺪﺳﻨﻮﺍﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﺔ، ﺍﺳﺘﺄﺫﻥ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ ﻟﻌﺮﺽ ﺍﻟﻔﻴﻠﻢ ﺍﻟﺬى ﻛﺎﻥ ﻣﻔﺎﺟﺄﺓ ﻟﻠﻮﻓﺪﺍﻟﺴﻮﺩﺍنى، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺍﻟﻔﻴﻠﻢ أشار ﺍﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻟﻜﻮﻳﺘﻲ ﻟﻠﺸﺎﺷﺔ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻣﻦ أجل ﻫﺆﻻﺀﺗﺘﺒﺮﻉ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ﺑأربعة ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﺩﻭﻻﺭ ﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﺸﺮﻕ.
ﻫﺆﻻﺀ ﻫﻢ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﻮﻥ، ﺧﺪﻣﻮﺍ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﻫﻢﺃﺣﻴﺎﺀ، ﻭﺧﺪﻣﻮﻩ ﻭﻫﻢ فى رحاب الله، ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ.
هذه رسالة ﺃﺭﺳلها لى صديقى الدبلوماسى العُمانى، عبدالله بن ناصر الرحبى، نقلتها نصاً بالعنوان نفسه الذى وردت به، مختتماً بقوله: (أكثروا من إرسال مثل هذه الرسائل لتعرف الأجيال الصاعدة مواقف الرجال والنجدة بوفاء من غير مقابل، فالدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك).
أعتقد أن هذه الواقعة بكل ملابساتها السابقة واللاحقة، هى بمثابة نموذج للعلاقة بين الدول، حكومات وشعوبا، ليس هناك مَنٌّ ولا ابتزاز، ليس هناك طمعٌ ولا جشع، هكذا كان الأشقاء فى السودان على الدوام، عروبيين مثقفين طيبين، كما كان الأشقاء فى الكويت أيضاً، محبين لوطنهم العربى الكبير، وقفوا دائماً مع كل الدول العربية فى كل المحن، لن ننسى وجودهم عسكرياً فى حرب أكتوبر، كما وجودهم مادياً فى أحلك لحظات زلزال ١٩٩٢، وسنوات التردى الاقتصادى عموماً، ومازال الإخوة فى السودان كذلك، كما استمر الإخوة فى الكويت كذلك أيضاً.
الحالة السودانية الكويتية تمثل، من خلال هذا الموقف، نموذجاً عربياً فطرياً خالصاً، هو فى حقيقة الأمر بمثابة رسالة إلى عرب المرحلة، عرب القرن الحادى والعشرين، عرب التشرذم والتشتت، عرب التسعيرة وتقاضى الثمن مقدماً، إن مالاً وإن أرضاً وإن عرضاً، عرب داعش والقاعدة والنصرة وصليل الصوارم، عرب التقسيم واستفتاءات الاستقلال والفيدراليات والكونفيدراليات، عرب التنازلات والتطبيع والتدجين، عرب التجديف والالتفاف على النصوص السماوية، عرب المقاطعة والحصار والهاشتاجات والاتهامات المتبادلة، باختصار: عرب الدخلاء على العرب، أو المستعربين، أو إن شئت قل: المتفرنجين الذين ولَّوا قبلتهم شطر الغرب والمحيط الأطلنطى.
السؤال الآن: كيف يمكن استعادة النخوة العربية، وهل مازال هناك أمل فى استعادتها، أم أن الأوضاع قد خرجت عن السيطرة، وهل المشكلة فى الشعوب، أم فى الأنظمة، أم هما معاً، وما هى الأسباب التى وصلت بنا إلى هذه الحالة، وهل يمكن الاعتراف بالمرض حتى يمكن علاجه من خلال جلسات طبية ونفسية فى عيادات متخصصة تحمل على عاتقها وضع الروشتة التى يمكن من خلالها استعادة أو إحياء الضمير العربى لما فيه الخير للأجيال المقبلة.. هى مجرد أسئلة للمداولة.