على عكس الجميع، لم تنتقل لى عدوى الاندهاش من سقطة الممثل أحمد الفيشاوى على خشبة مهرجان الجونة السينمائي، بل كان اندهاشى الحقيقى من أعراض الاندهاشة شبه الجماعية على وجوه، وألسنة الأخوة المندهشين، وكأنهم من كوكب آخر، لا يتعايشون مثلنا مع حالة التردي، والتدنى التى أتت على أخلاق المجتمع.
ليس أسهل من أن تنزل إلى الشارع، أو تدخل بضغطة زر على مواقع التواصل الاجتماعي، أو "اليوتيوب"، أو تستمع إلى أغانى "المهرجانات"، أو تشاهد على التليفزيون عينة عشوائية من البرامج، والمسلسلات، أو تضع يدك فى جيبك لتخرج ثمن تذكرة، وتدخل أى فيلم سينمائى معروض حالياً، كى تكتشف وبسهولة أننا أمام حالة عبثية كبري، لا سقف لها، ولا حدود لها، ولا خطوط حمراء، ولا حتى "فوشيا".
أى كلمة تلك التى فاجأتكم على لسان "الفيشاوى الصغير"، فخلقت حالة جدل كبيرة ؟ هل تصدقون أنفسكم ؟ أهى فعلاً مشاعر الذهول ؟ لا يبدو لى أن اعتذار الفيشاوى أرضاكم، وهدأت ثورتكم، وغيرتكم على الأخلاق، والفضيلة أى فضيلة تلك، وأى أخلاق هذه التى تخافون عليها من "كلمة خارجة" ؟ ماذا إذاً عن الدراما المصرية الآن، والتى صارت تتعاطى مع الألفاظ الخارجة، وكأنها جزء أصيل من سياق الأحداث، وبدونها يفقد العمل حبكته، وفكرته ؟ وماذا عن الأفكار الخارجة على الشاشة الفضية، وتنثرها نقلاً عنها فضائيات "بئر السلم" فى البيوت 24 ساعة يومياً ؟ بل ماذا عن إعلاناتها الفاضحة عن منشطات، وأوهام جنسية ترسخ لمجتمع عقله تحت سرواله؟ لم أر أحدكم متلبساً يغير على عفة، أو يخاف على براءة، أو يحرك ساكناً، أو يوقف متحركاً.
ماذا تُراه دفع المجلس الأعلى للإعلام، فى شهر رمضان الماضي، لتشكيل لجان رصد لمتابعة المسلسلات، والبرامج، وتقديم تقارير يومية عن مخالفاتها ؟ هل كانت لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان تحارب طواحين الهواء، وتعانى من هلاوس سمعية، وبصرية حين خرجت وقتها بتصريحات تطلب حماية للأخلاق?- ?إخضاع جميع ما يعرض على شاشة التليفزيون لرقابة مشددة ؟ إذا كان الشهر الكريم نفسه لم يسلم من العبث باسم الفن، فهل كلمة الفيشاوى "الخارجة" عن اللياقة، هى كل ما استوقف أهل الفن، والإعلام، وشعب "الفيس بوك" ؟ أخشى أن أرض "الجونة المقدسة"، لن تتطهر سريعاً من خطيئة الفيشاوى الابن.
بمناسبة "فيس بوك"، كنت كالعادة أمر بعينى على "بوستات" الأصدقاء، حين توقفت مذهولاً عند منشور له طابع سياسي، إذ فاجأنى تعليق لا أرى أن لفظ "بذئ" يوفيه حقه من الوصف وجه الغرابة لم يكن فى سفالة الكلمات، التى ربما اعتدناها للأسف على مواقع التواصل لكن الغريب، والعجيب، والمريب معاً أننى وجدت صديقى يرد معاتباً صاحب التعليق "ما يصحش يا شيخ" هنا وجدتنى مدفوعاً من فضولى أدخل على صفحة صاحب التعليق الفاحش، وإذا بى أمام "شيخ" بلحية طويلة، وجلباب قصير يزدحم الحساب الشخصى لهذا الشيخ ب " قال الله، وقال الرسول"، وتملأ علامة الصلاة نصف جبهته فى الصورة، فيما كلماته معلقاً على "البوست السياسي"، لا تسمعها إلا فى "شقة دعارة".
يا سادة، كفاكم "شيزوفرينيا" لنعترف أننا بصدد مجتمع يفقد كل يوم ما تبقى من أخلاقه، وحيائه إما أن تفكروا كيف نحافظ على ما تبقى ونعالج ما فسد أو تصمتوا.