الأهرام
مكرم محمد احمد
التراث ليس مقدساً دائماً !
نحتاج بالفعل الى شجاعة الاعتراف بأن معظم تراث الفكر الاسلامى يحتاج الى فحص وتنقيب وإعادة نظر شاملة لأنه ليس كل ما جاء فى تراث الفكر الاسلامى يمثل وجهة نظر صحيحة أو صائبة، بل لعل أغلب هذا التراث يدخل فى دائرة الخرافة ويحتاج إلى تحقيق وتدقيق شديدين، ومع الأسف يسرى ذلك الحكم أيضا على تراث الفكر الدينى الذى يحفل بكثير من الأقاويل التى تفتقد إلى المنطق والعقلانية الرشيدة ويصعب تصديقها كما يصعب قياسها على ما جاء فى آيات الذكر الحكيم أو ما ثبت وروده فى السنة النبوية الصحيحة، لأن بعض الأولين أهملوا حكم القياس الذى يكشف أهمية العقل الإنسانى وضرورته فى أن يكون حكماً صحيحاً على ما تلبس فى كثير من قضايا التراث من غموض وشكوك تصل إلى حد الإنكار، بقيت جزءاً من ثقافة الإسلام رغم خطئها البالغ لأنها لم تتعرض لمراجعة العقل الإنسانى ولم تفحصها نظرة نقدية صحيحة.

وأيا كان الراوى ومهما تكن أهمية الرواية فإن الحكم بصحة الحديث الذى تكلم عن شرعية نكاح الوداع للزوجة المتوفاه وأحاديث أخرى كثيرة هو حكم ظالم غير صحيح وقول زور وبهتان عظيم لا يمكن أن يصدر عن الرسول الكريم الـــــذى لا ينطق لهواً أو لغواً ولم يخاصم كلامه أبداً العقلانية الرشيدة التى هى أفضل أدوات القياس للتمييز بين الصواب والخطأ وفساد القول من صلاحه.

وأظن أن التشديد على ضرورة اعتبار العقل حكماً وفيصلاً صحيحاً فى التمييز بين اللغو والجد وبين الغث من الثمين مهم وضرورى لأن كل ما هو عقلانى يمكن أن يكون صحيحاً دينياً وربما نستثنى من ذلك أحكام الغيب الذى ورد ذكرها على وجه التحديد فى القرآن وأهمها حكم الساعة وموعدها ومكان الوفاة والميلاد ووقتهما وقياس علاقة الله بعبده التــــــــى لا يعرف كنهها و وحقيقتها سوى الله، ولأن معظم التراث جاء فى وقت لا يزال فيه العلم وليداً لم يتوصل بعد إلى كثير من المعارف التى أصبحت علوماً راسخة فإن العلم ينسخ بطبيعته الكثير من أقوال التراث التى قامت على التخمين أو الحدس قبل أن يصل العلم إلى تحديد مناهج قياس واضحة تحدد الفروق الواضحة بين الخرافة والعلم وبين الظن والمعرفة.

ولهذا يكثر فى آيات القرآن الكريم الحديث عن ضرورة التفكير والتأمل والتدبر وإعمال العقل باعتباره فضيلة واجبة، وفى زمن سالف اتسم بالحكمة الرشيدة كان العقل يفضل النقل لأن النقل يمكن أن يكون خاطئاً أو صحيحاً ، أما ما يصدر عن العقل فغالباً ما يكون صحيحاً يتسق مع كل ما تراه العقول الراجحة، ولأن تراث الثقافة الإسلامية المنقول يحفل بكثير من المعارف القديمة التى تقادمت وفسدت كان من الواجب إعادة فحص تراث الفكر الإسلامى لبيان باطله من صحيحه بدلاً من ان يصبح إرثاً مقدساً مهما يكن منطوقه وحقيقتة ونوعاً من التقليد الأعمى الذى لا يحسن التمييز بين معارف الأمس التى خبا نورها ولم تعد صحيحة ومعارف الغد التى توصل إليها العلم وبات من المؤكد صدقها وثبوتها ولأن المعارف لا تكف عن أن تتجدد وتتطور وتتغير فإنها تحتاج فى الأغلب إلى نظرة نقدية مستمرة تعيد النظر فى صلاحيتها وجدواها وفقاً لتطورات العصر وتطورات الحياة وهذا ما فعله الإمام محمد عبده وكثير من المجددين تمثلت إضافتهم المهمة للثقافة الإسلامية فى تحكيم العقل لضمان صحة النقل وتطويره وتصحيحه.

وهذا ما يستهدفه تجديد الخطاب الدينى الذى ينبغى أن يكون أولى دعائمه فى الاعتماد على العقل فى التمييز بين صالح الأفكار وطالحها واعتبار مصالح العباد جزءا من ضرورة الشرع التى ينبغى أن ينحاز لها حكم الدين الصحيح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف