فى الفيلم الشهير لشون كونرى وكاثرين زيتا جونز (انترابمنت)، والذى تدور أحداثه حول هروبهما من الشرطة إثر السرقات المتتالية نجد مشهدًا من المشاهد يقوم به كونرى محاولا خداع الشرطة التى تراقبهما فى المصعد بطريقة ذكية للغاية.
فيستطيع تغير شريط كاميرا المراقبة فى المصعد ليثبتها على مشهد معين في أثناء تواجدهما داخل المصعد وإيقاف التوقيت ليخدع قوات الشرطة أنهما مازالا فى نفس المكان ولكنهما فى الحقيقة قد خرجا مستغلين تجميد الموقف أمام أعين البوليس.
هذا ما فعلته حكومات مبارك طوال الثلاثين عامًا، مما أثار غضب الشعب فانفجر ثورة شعبية.
فلقد تغيرت على مدار الثلاثين عامًا من حكمه حكومات كثيرة، ولكن كلها كانت تنتهج نفس النهج وهو تجميد الموقف أمام أعين المواطن، وهو السر الذى إذا تمعنّا مليًا فى المشهد السياسى بنظرة عمودية سنعرف أنه سبب ثبات الأسعار طول تلك الفترة.
ففى أى بلد عادية تزداد الأسعار سنويًا بنسبة 3 % مثلا -من الطبيعى أن يقابلها زيادة فى المرتبات- ولكن سياسة تجميد الموقف أمام الشعب لم تكن سياسة يٌستهان بها، فظلت الأسعار ثابتة لحد كبير وظلت الرواتب شبه ثابتة مع بعض العلاوات والمنح فى عيد العمال بنفس المشاهد التى تتكرر كل عام، لم يكن تجميد الموقف من قبل حكومات مبارك تجميدًا اقتصاديًا فقط، بل كان سياسيًا ومجتمعيًا أيضا.
ذلك المشهد الصامت الساكن الذى أصاب المواطن بالتنويم المغناطيسى، فأصبح المواطن يحمد الله على الفتات الثابتة التى تٌلقى له ظنًا منه أنها كل حقه!
كما ضمن ذلك التجميد البيات الشتوى والصمت السياسى، فلم يكن للسياسة دورًا كبيرًا فى حوار المواطن اليومى، ولكن لم يع المواطن أن ذلك الشلل الاقتصادى ما هو إلا علامة غير صحية، فكل الأسواق الدولية تشهد حراكا اقتصاديا من أزمات اقتصادية تعقبها "انفراجات، مشروعات قومية، ارتفاع ونزول سعر العملات".
لم يع المواطن أن ذلك الشلل والجمود على كل الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ما هو إلا كواليس تخفى ما يٌبرم فى الظلام، فكان جبل الصمت يفصل بين دويلة الشعب التى تحمد خالقها على الفتات المتبقية دون أن تدرى، وعلى الناحية الأخرى كانت الأسرة الحاكمة تنعم بنصيب الأسد من خيرات وموارد مصر وتغدقها كما شاءت على الحاشية والمقربين والمتوددين والمتملقين.
ولكن الغريب بعد الثورتين الشعبيتن التى أثرت الشعب المصرى بالإدراك أن ينعى أحد ثبوت الأسعار فى العهد البائد، وكأن ثورة لم تقم، وكأننا لم نكشف المستور، فهل نحن نريد الصمت والجمود ووجود دويلات كل منهم ينعم بالاستقرار والثبات الأبدى؟ واللعب بكروت الفتنة الطائفية من وقت لآخر لنضمن إرهاب الشعب ونفوره من السياسة والتغيير؟
أم نحن نريد أن نكون دولة واحدة وشعب واحد نتحمل الأزمات الاقتصادية سويًا وننعم بالخيرات والمكتسبات سويًا وننصت لكلمة المواطنة التى تنادى بها مصر اليوم؟
إلى من يستحق أن نقولها له.. آسفين ياريس؟!