الدستور
مصطفى عاطف
أفكار مفخخة
المفخخ ليس المكانَ الذى ينُصب فيه كمينًا متفجِّرًا فحسب، بل قد يكون هذا التفخيخ عبارة عن افكار قابعة فى اعماق عقولنا اللاواعية ، وتخرج من حين لأخر فى احاديثنا فى هيئة بعض الكلمات والعبارات ، ولكنها فى الحقيقة ليست مجرد كلمات ، بل تُعد فى احيان كثيرة سبباً رئيسياً خفياً فى تشكيل وعي مستتر مخيف يحمل بين طياته افكار مفخخة ، إما عنصرية ، او طائفية ، او طبقية ، أومهنية ترفع من قيمة طائفة عن أخرى ، لتهدد فكرة التعايش والمواطنة فى المجتمع الواحد.
سأكتفى بذكر 3 مقولات او أفكار مفخخة على سبيل المثال لا الحصر .
1. الى مش معايا يبقى عليا.
اسوء ما فى هذه العبارة ، انها تحمل دلالات ذات أحكام قاطعة ، حيث تضع قوالب تصنيفية للأشخاص.وهو الاسلوب المُتبع دائماً مع اى مختلف فى الرأى فى المجتمعات الهمجية، فيطلقون عليه اتهامات التخوين ، او التكفير، او الانتماء لأحد الطوائف والمعسكرات الفكرية.
مع ان اى اختلاف فى الرؤى والأفكار يُعد مصدراً ذهبياً لوضع رؤية اكثر شمولاً ، واقرب تكاملاً ، لأن الكل افضل من جميع الأجزاء ، وبوسعك الأستفادة من كل الآراء حتى لو كانت مخالفة ، لوضع تصور اقرب الى التوافق منه الى الصدام .
اننا في حاجة إلى مزيد من الوعي والإدراك في ثقافة الاختلاف والحوار لأننا مكبلون بطباع نرجسية وموروثات اجتماعية تصوّر لكل واحد منّا أنه الأفهم من الآخر، وما إن يأخذ الواحد منا بطرف من الحقائق ، او الخبرات حتى يعتقد أنه الأكثر نضجاً والأكثر وعياً، مستنكفاً مناقشة وانتقاد الآخرين !!
الحقيقة انه مفيش حاجه اسمها لو مش معايا تبقى ضدي، فى حاجه اسمها اعرض وجهة نظرك، وفكر وتدبر وللطرف التانى الحق هو كمان فى كل ده . وفى الأخر القناعات بتتغير بالأحداث والمواقف مش بالكلام بس. ممكن اكون معاك فى حاجات ، وضد طريقتك او اسلوبك فى حاجات تانية ، عمر ما هيبقى فى اتفاق وتماثل 100% فى كل الأمور ، فى كل الأوقات ، فى كل الأحوال.
ممكن جداً اكون مش معاك ، بس ده ميمنعش ان ممكن فى يوم من الأيام اغير رأيى واقتنع بكلامك ، وابقى معاك ، وممكن الأحداث تعدل الوعي بداخلي فأقتنع بما اعترضت عليه من قبل، وممكن بردو حضرتك تكتشف انك مش على الطريق الصحيح ، او ان افكارك كانت ناقصة جزء ما ، بمجرد ادراكك له ، قمت بتعديل طرحك ورأيك ، وبالتالي انا كمان استجبت لتعديلك. الدنيا ابسط بكتير من تعقيداتنا، وبنكتشف بعد زمن ان كثير من الصراعات التى دخلنا فيها، لم تكن تستحق كل هذا الجدل والضغط والعصبية فى التناول.
من خبرتي فى هذا الموضوع وجدت ان أغلب المؤثرين والمُقنعين ، دائماً ما يعرضوا وجهة نظرهم ويفتحوا الباب للطرف الآخر انه يفكر فيها بدون تعصب ، بدون إنفعال ، بدون ضغط وهذا بالفعل ما يجعل الطرف الأخر يقتنع ولو بعد حين ، وممكن يقتنع من غير ما يقول لك انه اقتنع، ويبدأ يغير قناعاته بالفعل لما يشغل عقله بالطريقة الى انت كلمته بها.

2. مسيحي بس محترم.
عادة ما نسمع هذه الكلمة بنبرة صوت مع ايماءه يد تحمل دلالات التعجب، فكلمة (بس) التى تعنى (لكن) ، تسمى فى اللغة حرف استدراك يُثبت لما بعده حكمًا مخالفًا لحكم ما قبله. وهنا تقع مسئوليتنا الفردية فى التوقف عن تكرار الكلام دون وعي او تدبر، ويكأن الأصل فى الشخص المسيحي انه ليس محترماً.
هذه الجملة مرفوضة شكلاً وموضوعاً، فأستعمال الكلمة ليس بمحلها، لأنها تقصر الأحترام والاخلاق الرفيعة على غير المسيحيين ، وعندما نستخدمها فهذا يعنى الاستثناء. وهذا كلام باطل 100% ، لأن الأحترام والذوق والأخلاق موجودين فى معتنقي كل الأديان ، كما يتواجد ايضاً فى كل الأديان الأشخاص سيئى السمعة والعنصريين وآكلي الحقوق.
لقد عشت مفهوم المواطنة الحقيقي عندما أديت الخدمة العسكرية ، حيث كان المسيحيون يتبادلون معنا الخدمة اثناء صلاة الجمعة ، ولا انسى كم كانت علاقتنا فى منتهى الود والسلام. واى مجتمع متحضر يفهم معنى المواطنة والتعايش تتساوى فيه الحقوق والتعاملات بعيداً عن اى انتماء ديني ، فعلاقة كل فرد بعقيدته الدينية امر شخصى يخصه ، وغير مطروح للتصنيف.
3. ست بس ب100 راجل.
هذه العبارة بكل بساطتها تعتبر تمييزاً عنصرياً للمرأة ، وغالباً ما تطلق عندما تتمكن المرأة من اقتناص حقوقها بكل جسارة ، شأنها فى ذلك شأن الكثير من الناس ، ولكن تعودت ألسنتنا على تلك المقولة بلا تدبر او تفكير ، بل وألفتها ، وحصرتها فى عدد محدود من النساء . على الرغم انه هناك الكثيرين من الرجال لا يستطيعون الدفاع عن حقوقهم ، بل يكاد يكونوا فى سلبياتهم مثل الأطفال الصغار.
هذه المقولة ليست الوحيدة ، بل تتعدد الأمثلة على احتقار شريحة كبيرة من المجتمع للمرأة ، منها مثلا أننا نمدح أي شخص بقوله: إنه ( دكر) كأن الذكورة هي المجد، والأنوثة هي الحقارة، على الرغم ان انعدام الأنوثة ، يستوجب تلقائياً إنعدام الرجولة، وعندما تحدث مشاجرات في الأحياء الشعبية كثيرا ما يتم إذلال الرجل بإرغامه على ارتداء ملابس نسائية، وكأنها علامة على الخزى والعار والأستهزاء.

ان المجتمعات المتحضرة ترى في المرأة إنساناً حدث أنه أنثى، كما أن الرجل انساناً حدث أنه ذكر وهي تؤمن أن المرأة كائن مساو للرجل تماماً في الحقوق والقدرات وهي لا تستدعي الأنوثة إلا في الحياة الخاصة.

هذه الكلمات ما هي سوى ارث من مخزون داخلي بغيض يضرب اسس التعايش والمواطنة الحقيقي بين افراد المجتمع الواحد. قد تخرج هذه الكلمات من فاه شخص عدواني ، لا يحترم الناس ولا يعير اهتماماً بأحد سوى نفسه. وقد تخرج من شخص عفوى ، يتكلم دون تفكير او تدبر لكلماته ، مما يستلزم اعادة النظر مرة اخرى فى اقوالنا، فما كان مقبولاً فى ما مضى ، لم يعد كذلك فى يومنا ، خصوصاً مع ارتقاء الوعي و تفتح الادارك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف