الدستور
أحمد بهاء الدين شعبان
ثلاثة أحداث.. ثلاث دلالات
الجريمة المروّعة، التى شهدتها مدينة «لاس فيجاس» بولاية «نيفادا»، مساء يوم الإثنين الماضى، «الأكثر دموية فى تاريخ الولايات المتحدة»، كما وصفوها، والتى أسفرت عن سقوط أكثر من خمسين قتيلًا وأربعمائة جريح، من رواد حفل موسيقى بأحد الفنادق، تطلق جرسًا مدويًا للإنذار، حول مسارات ومآلات ظاهرة العنف الدموى التى تجتاح منطقتنا وعالمنا المعاصر.
وقد سبقت هذه المجزرة مذبحة وقعت فى ولاية «فلوريدا»، فى يونيو ٢٠١٦، قُتل فيها ٤٩ شخصًا، وأصيب خمسون آخرون، كما استهدف اعتداء، وقع فى «باريس»، فى نوفمبر ٢٠١٦، حفلًا موسيقيًا آخر، أسفر عن وقوع ٩٠ قتيلًا، فضلًا عن اعتداءات عديدة، استهدفت جموعًا من الأبرياء، احتشدت فى أسواق، أو ملاعب للكرة، وغيرها من المواقع!.
هذه الظاهرة الخطيرة مسئول عنها سياسات، وثقافات، وإعلام، لمؤسسات دول كبرى، تخدم مصالح كبريات الاحتكارات العالمية، المُصَنِّعة للأسلحة الفتّاكة، ولأدوات العنف ووسائط الحض على الجريمة، وبعد أن ذاقت شعوبنا الأمرين من آثارها، ها هى تحرق جسد من أطلقها، وتُشربه من نفس الكأس التى تجرعتها شعوبنا!
اندلعت فى الأراضى الإسبانية، نيران حربٍ ضروس، هزّت أركان هذه الدولة الأوروبية المهمة، محورها، هذه المرّة، مقاطعة «كتالونيا»، التى تطالب بالانفصال، وأجرت استفتاءً، رفضته إسبانيا، تسبب فى مصادمات عنيفة بين دعاة «الاستقلال» والأمن، دقّت هى الأخرى ناقوس الخطر، حول مصير القواعد التى استقرت فى السياسة الدولية، بعد المؤتمر الأوروبى، الذى أسفر عن توقيع اتفاقية «وستفاليا»، عام ١٨٤٦، والتى أقرَّت حق السيادة الذى يحترم الحدود القائمة للدول، ويحول دون تدخل الدول الأخرى فى شئونها!
لقد انتهكت دول الغرب وأمريكا هذه القاعدة الذهبية، وتدخلت، بغلظة وبشاعة، بالعدوان على الدول المستضعفة، ونهب ثرواتها، وتمزيق أوصالها، على نحو ما فى منطقتنا، فى فلسطين والعراق وسوريا وغيرها، وفى دول الاتحاد السوفييتى السابق أيضًا، وها هى النيران التى أشعلتها الدول الكبرى تقترب من بيتها، وتهدد استقرارها، ففى إسبانيا هناك أيضًا إقليم «الباسك»، الذى يرفع نفس المطالب، وهناك مُطالبات بانفصال أيرلندا واسكتلندا عن إنجلترا، بل هناك دعاوى، وإن بدأت خافتة، لانفصال بعض الولايات الأمريكية!
أحداث إسبانيا الأخيرة صيحة ونذير، يوجب على الدول الغربية، وذات التاريخ الاستعمارى بالذات، إعادة النظر فى مجمل سياساتها الخارجية والداخلية، والعاقل من اتعظ!
أرجو ألا يكون ما يجرى على الساحة الفلسطينية ظاهِره الرحمة وباطنه العذاب!.
فالتحول الدراماتيكى المفاجئ فى العلاقة بين «الأشقاء» فى «حماس» و«فتح»، من العداء الصريح، إلى الأحضان والاتفاق، بقدر ما فرح له جميع المحبين، بقدر ما يثير علامات استفهام ضخمة!
وبصرف النظر عن دواعى «حماس» الخاصة لقبول ما كانت ترفضه بالأمس بشدة، فهناك ما يُشير إلى أن دوافعه الخارجية تثير القلق، وأهمها ما تسرّب من دوائر أمريكية وغربية، حول ما سماه «ترامب»: «صفقة القرن»!
وقد أشار د. عمرو الشوبكى، فى مقال مهم، «المصرى اليوم، ٢٨ سبتمبر الماضى»، إلى أن هذه «الصفقة»، وهو تعبير «ترامبى» بامتياز: «عملية متدرجة، ستنسحب فيها إسرائيل من بعض المناطق فى الضفة الغربية وستسمح بإقامة دولة عليها، ثم تعطى لهذه الدولة فرصة للتمدد على أراضٍ جديدة، إذا التزمت بنصوص المعاهدة وبالالتزامات الأمريكية»، أما الأراضى التى ستتمدد فيها هذه الدويلة المسخ، فستكون من التراب الوطنى المصرى، حيث ستتم عبر «مبادلة أرض مصرية فى سيناء بأخرى إسرائيلية فى النقب»!
أمرٌ خطير، وتهديد سافر لأراضينا التى ينص الدستور، فى مادته الأولى، على أنها: «دولة موحدة لا تقبل التجزئة»، يستدعى فائق الانتباه من الجميع: حكومةً وشعبًا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف