التحرير
كريم الدجوى
لماذا حتما ولا بد أن ينتصر «الرينبو» في النهاية؟
في البداية، أؤكد لحضرتك أن كاتب هذه المقالة لن يفصح عن موقفه تجاه قضية المثلية الجنسية ولا يريد أن يناقشك فيها. فببساطة، لا أريد أن يضيع وقتك ووقتي في نقاش غير بناء حول تلك القضية. ربما لأن موقفي وموقفك منها في النهاية لن يغير من ثقتي في تلك النبوءة؛ أن عاجلا أم آجلا، بعد جيل أو اثنين أو عشرة، سيتقبل مجتمعنا -مع الكثير من المجتمعات المحافظة الأخرى- المثلية وغيرها من الأمور التي يراها كثيرون الآن نهاية العالم. وسبب اقتناعي بهذه الفكرة، ليس له علاقة بموقفي من القضية ذاتها، ولكن بناء على نمط متكرر على مدار التاريخ، حيث يقوم الأقوى بفرض مجموعة القيم التي يؤمن بها على الأضعف، هذه هي طبيعة الكون؛ كما يأكل القوي الضعيف في الغابة، تأكل الحضارات الأقوى الحضارات الأضعف منها أيضا. وفي عصر العولمة وثورة تكنولوجيا الاتصالات، يبدو أن الأمر سيصير أكثر سهولة من قبل. فاذا نظرنا للأمر ببراجماتية خالصة، محيدين مفاهيمنا النسبية عن الخير والحق والصواب في عالم لا تجد تلك المفاهيم مكانا على قائمة اهتماماته، سنجد أن لب مشكلات مجتمعنا يكمن في تلك المجموعة من المبادئ والقيم التي نكرس لها الجزء الأكبر من طاقتنا. إننا نعطي الوزن الأكبر لكل ما يجعلنا نشعر بأن أخلاقنا أفضل من الآخرين، لكننا لا نتحرك أبدا ضد ما قد يؤثر فعليا في حالنا. أتذكر أني استمعت مئات المرات في التلفاز -خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة- عن المؤامرات التي تحاك ضد شباب مصر، لتسمم عقولهم بالأفكار الغربية المنحلة. مئات الكتاب والصحفيين والأساتذة يصرخون دفاعا عن أخلاقنا أمام تلك المؤامرة، دون أن يستوقف هؤلاء المتبنين لتلك النظرية، أن تلك الأفكار الغربية متفشية في البلاد الغربية المتقدمة ذاتها، وهو ما يرجح أن لا علاقة بينها وبين تأخر الدول أو تقدمها.

"لن ينتهي الغلاء ما لم تتحجب النساء" مثال آخر يدور حول الموضوع نفسه، تلك الجملة التي صادفتني عشرات المرات في أماكن مختلفة، تدفعني للتساؤل عن قدرة من صاغها على تجاهل عشرات العوامل المسؤولة عن الأوضاع الاقتصادية المتردية في بلادنا، كيف استطاع أن يختزل النهضة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في حجاب المرأة دون أن يستوقفه أن أقوى اقتصادات العالم وأكثر نظمها تكافلا بمواطنيها لا تتبنى الحجاب ضمن سياستها الاقتصادية.

صديقة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تعمل ضمن هيئة تدريس بإحدى الكليات المعروفة لدينا "بكليات القمة"، تشتكي من زميلة لها شديدة المحافظة، تنهر زميلاتها عند سلامهن على الرجال باليد، وتعلق لهن منشورات عن عقاب ذلك الجرم. السيدة نفسها منذ أن انضم ابنها إلى تلك الكلية، لم تتوقف ثانية عن طلب التوصيات من زميلاتها حتى تؤمن له معاملة خاصة تزيد من فرص تفوقه. أخطر ما في الموضوع هو عدم قدرة السيدة الملتزمة على رؤية أن ما تفعله خطأ على المستوى الأخلاقي أو الديني، الخطر هنا هو أننا ألفنا التساهل في التجاوزات التي تدمر مجتمعنا، حتى صارت شيئا طبيعيا يقوم به الملتزمون دينيا دون أن يشعروا حتى بالخجل أثناء طلبه.

نحن ندعي دائما أننا نريد أن نبني دولة، لكننا لا نضع أبدا العوامل التي تؤثر في بناء الدول على قائمة أولوياتنا. فترتيب تعليمنا ما زال في المركز الـ130، أما القدرة على التأهيل والتدريب التخصصي فنأتي في المركز الـ135، وفي جودة مناهج العلوم والرياضيات ففي المركز الـ122، أرقام لا تبشر إلا ببقائنا في نفس الوضع على أحسن الأحوال.

في النهاية، إذا كانت قضية الميول الجنسية للآخرين تؤرقك فعلا، أو لن تستريح قبل أن تحجب نساء الأرض أو تمنع الطلاب في جامعات العالم من احتضان زميلاتهم، فصدقني انتفاضك من أجل غياب الشفافية والانفراد بالسلطة والتعذيب والفساد وحنث المسؤولين بأقسامهم وتلاعب الإعلام بالحقائق هو أكثر الطرق وأكثرها فاعلية للوصول إلى هدفك السامي.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف