المصريون
جمال سلطان
هل تبخرت أحلام الإمارات بعد المصالحة الفلسطينية ؟!
جولة سريعة في الإعلام الإماراتي ، والإعلام الموالي لأبو ظبي في المنطقة ، تجعلك أمام حقيقة الضيق الذي تبديه الدولة الصغيرة الطموحة تجاه تطورات المصالحة الفلسطينية التي قادتها بنجاح حتى الآن المخابرات العامة المصرية ، إعلام الإمارات يتعامل مع الحدث ببرود ظاهر كما لو كان حدثا في بورتوريكو أو جزر القمر ، وليس في فلسطين ، وهو موقف دال ومعبر عن "سطح" مشاعر الإحباط التي تنتاب صناع القرار في أبو ظبي ، والذين أملوا طويلا في تبني مصر لمشروع الإمارات المرتكز على شخصية محمد دحلان كبديل .
ضغطت الإمارات طويلا خلال السنوات الماضية من أجل أن تستثمر علاقاتها بالقاهرة ، و"أفضالها" عليها من أجل أن تقوم مصر بتمكين محمد دحلان من قيادة السلطة الفلسطينية ، وإزاحة محمود عباس ، ووصل الحال إلى حد القبول بعقد اجتماعات سرية بين دحلان وقيادات حمساوية ، رغم تاريخ الدم بين الطرفين ، وكانت الاجتماعات تتم برعاية مصرية إماراتية ، رغم أن المعلن في ذلك الوقت وحتى الآن ، هو موقف رسمي إماراتي ينتقد أي دولة تقيم علاقات مع حماس ، بل أي اتصال مع حماس تصنفه الإمارات بوصفه تخريبا وتآمرا على دول المنطقة ، وتصنف حماس كذراع إخواني في المنطقة بحسب الإمارات حتى الآن ، ومع ذلك كانت السياسة الإماراتية بعيدا عن الأضواء تنسق لقاءات محمد دحلان مع قادة حماس في القاهرة .
تدرك الإمارات من خلال شراكتها الأمريكية ، أن هناك ملفين في المنطقة العربية ، من يمسك بهما يمسك بتسعين في المائة من أوراق اللعب والضغط في المنطقة ، وهما : النفط وفلسطين ، فالولايات المتحدة وأوربا يمكن أن تتسامح مع أي سلوك أو ملف آخر ، إلا أن تتهدد منابع النفط أو تتهدد الأوضاع في "إسرائيل" ، ولذلك بذلت الإمارات جهودا كبيرة من أجل أن تمسك بالملف الفلسطيني/الإسرائيلي ، عن طريق الرجل الذي أعدته طويلا ورعته للمرحلة المقبلة : محمد دحلان ، وتحاول الإمارات استغلال الظروف الصعبة التي تمر بها مصر الآن والانقسامات والاحتياجات المالية للدولة من أجل انتزاع تلك الورقة من القاهرة ، لكنها لم تقدر أن القاهرة تدرك هي الأخرى أن تلك الورقة تعني نصف ثقلها العالمي كله ، وأن أحد أهم مصادر المشروعية الدولية لأي نظام مصري هو قدرته على الإمساك بهذا الملف والتصرف فيه بحكمة ووفق قواعد دولية متفق عليها .
لذلك كانت صدمة كبيرة للإمارات نجاح المخابرات العامة المصرية في نسج خيوط حوارات هادئة وصبورة بين غزة ورام الله ، بعيدا عن دحلان ودائرته ، والتي انتهت إلى المصالحة الفلسطينية وعودة سلطة محمود عباس ، عدو دحلان الأكبر ، إلى قطاع غزة ، وهو ما يمهد لسلسلة خطوات أخرى تعيد بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية التنفيذية والتشريعية والأمنية بالتوافق بين فتح وحماس سيكون الخاسر الأكبر فيها هو محمد دحلان ومجموعته ، كما قد تمهد تلك الخطوة لخطوة أكبر في تسوية الأزمة كلها بمولد دولة فلسطينية على حدود 67 تطوي ملف الصراع كله .
وقد كان ملحوظا بشدة تصريح الرئيس الفسطيني محمود عباس عقب إعلان المصالحة : (لن نسمح بتدخل أي دولة في الشئون الداخلية الفلسطينية باستثناء مصر) ، وهي رسالة ليست موجهة ـ بطبيعة الحال ـ إلى الولايات المتحدة صاحبة المرجعية لأوراق اللعب للجميع ، كما أنها ليست موجهة لأي دولة عربية أخرى باستثناء دولة واحدة تمارس الضغط عليه من خلال خصمه الرئيسي محمد دحلان ، وهي الإمارات ، ولذلك فهم تصريحه على أنه لن يسمح للإمارات بأن تلعب في هذه المنطقة أبدا ، وأن مصر ـ حصريا ـ هي صاحبة الحق الأصيل في هذا الملف .
الإمارات تخترق نطاقات واسعة في مصر ، أخطر كثيرا مما يتصور البعض ، وستأتي الأيام قريبا ، بعد تغير رياح سياسية ، لتذهل المصريين عن حجم وطبيعة وخطورة الاختراقات التي نجحت فيها الإمارات في القاهرة ، سياسيا وإعلاميا واقتصاديا ... وغير ذلك ، ومن المرجح أن تقوم بتحريك بعض أذرعها في مصر لشن حملة ضد مشروع المصالحة الفلسطينية وتعمل على إفشاله ، خاصة وأن المشروع تنتظره مفاوضات فنية وتفصيلية صعبة بين فتح وحماس في الأسابيع المقبلة برعاية مصر ، والتلويح المتزايد هذه الأيام بورقة "البديل" أحمد شفيق قد لا تكون بعيدة عن هذه المعركة العنيفة التي تدور بعيدا عن الأضواء .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف