نعم الباز
مصر البشر - حينما يصبح أولادي رؤسائي
ستون عاما في رحاب أخبار اليوم. ستون عاما قضيتها في الكتابة والسعادة بالكتابة ومنتهي السعادة بالقراء الأحباء.. لم أشعر بمرور هذه الأعوام فقد كنت منشغلة بالكتابة.. كنت منشغلة بتوصيل ما يهم القراء.. كنت منشغلة بأهمية التوصيل والتواصل مع القراء.
وفجأة وجدت أن أولادي أصبحوا رؤسائي!! فجأة وجدت أنني أختلف معهم ويختلفون معي ولم أجد منهم خلافا كبيرا ليس لأنهم لم يختلفوا ولكن لأنهم كانوا لا يستطيعون الافصاح عن خلافاتهم معي.. وجدت أنني لابد ان أبادرهم بالخلافات الصغيرة ووجدت أنني أصبحت لا أدري ما هي الخلافات الكبيرة لانني خرجت من العصر ووجدت أنني أكثر مع الخروج من العصر خرجت من الوجدان كله.
ورفضت هذا المنطق وصاحبت أكثر من منطق آخر ولكني عدت نادمه الي عصري فهو العصر الذي عشت فيه واقتنعت به ولم أجد في العصر الجديد نفسي ووجدتها في العصر الذي مضي.
ولكن نظرت حولي فوجدت أنني لا أحسب علي هذا العصر وأنما أحسب علي العصر الماضي ولكن العصر الحالي هو الذي جعلني احس بالاغتراب!!
وكيف اتحول من مغتربة الي اقرب لهذا العصر؟ لا أدري!! ولكن أنا بنت العصر الماضي وعشت فيه إلي ان كبرت ونضجت فكيف استطيع ان اعيش عصرا غير الذي كنته؟
فكرت كثيرا وشحذت فكري وتأملت غيري ممن هم حولي وجدتهم يعيشون بكل هدوء وطمأنينة ولا يزعجهم تغير العصر الذي يعيشون فيه.. ولكن وجدت أنهم لا يعنيهم هذا العصر أو ذاك بل هم يعيشون ببساطة ولا يتأملون العصر الذي يعيشون فيه.
ووجدت انني الوحيدة التي أتأمل العصر برمته كله كده علي بعضه وجدت انني لا يهمني الوقت الذي اعيشه بل تهمني اللحظة. »تصوروا اللحظة» ووجدت ان هذه »اللحظة» ربما كانت مختلفة عن غيرها وربما كانت مثلها ولم أكن اعلم ان الوقت قد حان لتغيير اللحظة والزمن ولم أكن اشعر ان كل زمن له لحظاته وأن كل للحظة لها وقتها الذي نعيش فيه ولا نتأمله.
ولاحظت ايضا ان كل لحظة وكل زمن نعيشه لا يختلف من غيره ولكن الخلاف في الشعور والاحساس بالزمن وقد عشت هذا الزمن واختلفت فيه عن غيره لهذا شعرت بهذا الخلاف ولم أشعر بالاختلاف وشعرت بالزمن الذي تتغير أوراقه كما تتغير أوراق الشجر وتسقط أوراقه كما تسقط أوراق الشجر.
شعرت أنني احاول أن امسك بورقة واحدة سقطت من أعلي الشجرة فلا أستطيع.. شعرت أنني لا استطيع ان امسك يوما كاملا من الماضي لما فيه من تفاصيل كثيرة ضاعت مع الزمن.
إن التفاصيل الصغيرة هي التي تربط الانسان بالواقع وليست التفاصيل الكبيرة هي التي تربط الانسان بواقعه الذي يعيش فيه.
إن الواقع يا سادة كبير جدا ومتسع جدا ويستطيع ان يستوعب تفاصيل كبيرة وتفاصيل صغيرة ولكن ما أصعب ان يستوعب الانسان كل هذه التفاصيل.