الدستور
كمال الهلباوى
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ «1-3»
مدح الله تعالى أقوامًا فى القرآن الكريم، ولكنه سبحانه وتعالى ذمّ فيه أقوامًا آخرين. وقد ذمّ اللهُ سبحانه وتعالى طائفة من عباده، بسبب عدم توقيرهم له، عز وجل، كما ينبغى لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فقال: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»، وهذه الآية تكرر ورودها فى القرآن الكريم فى ثلاثة مواضع؛ فى سورة الأنعام. قال الله تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَىءٍ»، وفى سورة الحج قال الله تعالى: «مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»، وفى سورة الزمر قال الله تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ». وتكرار ورود هذه الآية يدل على عظم معناها وأهميتها.
يقول العلماء «فلو علم العباد ما لله من عظمة ما عصوه، ولو علم المحبون أسماءه وصفاته وكماله وجلاله ما أحبوا غيره، ولو علم العباد فضله وكرمه ما رجوا سواه، فالله تعالى رجاء الطائعين وملاذ الهاربين وملجأ الخائفين».. ويسرنا هنا أن نذكر أيضًا بعض التفسيرات لهذه الآية الكريمة لعل وعسى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ» لنوضح مدى أهمية التقدير لله سبحانه وتعالى ومدى عظمته.
ففى تفسير ابن كثير نقرأ: يقول تعالى: وما قدر المشركون الله حق قدره، حين عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذى لا أعظم منه، القادر على كل شىء، المالك لكل شىء، وكل شىء تحت قهره وقدرته.. قال مجاهد: نزلت فى قريش. وقال السدى: ما عظموه حق عظمته. وقال محمد بن كعب: لو قدروه حق قدره ما كذبوه.. وقال على بن أبى طلحة، عن ابن عباس «رضى الله عنهما»: «وما قدروا الله حق قدره»، هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله «تعالى» عليهم، فمن آمن أن الله على كل شىء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره.
وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة، والطريق فيها وفى أمثالها مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف.. قال البخارى قوله: «وما قدروا الله حق قدره»، عن عبدالله بن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد: إنا نجد أن الله- عز وجل- يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع. فيقول: أنا الملك. فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة» الآية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبومعاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبدالله- رضى الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم، أبلغك أن الله «تعالى» يحمل الخلائق على إصبع، والسماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع؟ قال: فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه. قال: وأنزل الله- عز وجل-: «وما قدروا الله حق قدره» إلى آخر الآية. وهكذا رواه البخارى، ومسلم، والنسائى.
وعن ابن عباس قال: مر يهودى برسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو جالس فقال: كيف تقول يا أبا القاسم: يوم يجعل الله السماء على ذه - وأشار بالسبابة- والأرض على ذه، والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه- كل ذلك يشير بإصبعه- قال: فأنزل الله- عز وجل-: «وما قدروا الله حق قدره» الآية.
وقال البخارى- فى موضع آخر-: حدثنا مقدم بن محمد، حدثنا عمى القاسم بن يحيى، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين على إصبع، وتكون السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك».. تفرد به أيضًا من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر. وقد رواه الإمام أحمد من طرق أخرى بلفظ آخر أبسط من هذا السياق وأطول، فقال: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبدالله بن أبى طلحة، عن عبيدالله بن مقسم، عن ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: «وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون»، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول هكذا بيده، يحركها يقبل بها ويدبر: «يمجد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم». فرجف برسول الله- صلى الله عليه وسلم- المنبر حتى قلنا: ليخرن به. وقد رواه مسلم، والنسائى، وابن ماجه.. أقول: الناس تسمع هذا على المنابر، والقراء يقرأون ذلك فى الكتب ووسائل الإعلام فهل هناك من يتعظ ويدرك عظمة الله تعالى. نعم «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» مهما قدموا. وللحديث صلة.. وبالله التوفيق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف