د. محمد يونس
التعليم ودور النخبة الوطنية الغائب
بغض النظر عن الجدل السائد حول خروج مصر من التصنيفات العالمية لجودة التعليم من عدمه، فإن، قضية التعليم أصبحت بالفعل في موضع حرج يتطلب من النخب المصرية، أن تقدمها كمشروع قومي عاجل، وتطالبه بالتزام حقيقى من جانبه بوضع التعليم كهدف قومي تعطى له الأولوية في الميزانية والتنفيذ .
نعم نفي الدكتور أيمن إسماعيل المستشار الإعلامي لهيئة ضمان تجودة التعليم والاعتماد خروج مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم، لافتا إلى أن تصريحات د. طارق شوقي وزير التربية والتعليم، تم تداولها بمفهوم خاطئ، ولكنه أكد أن الوزير كان صريحًا حين قال إن اتعليمنا لا يصلح، وأنه يشبه بيتًا آيلًا للسقوط وكل المحاولات السابقة كانت لسد الشروخ فقط.ب ( موقع مصراوي : 9 مايو 2017).
حال التعليم لا يخفى على أحد ومن أراد أدلة فيكفي مرتبة مصر بتقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث حصلت مصر فيه للعام 2016/ 2017 على المركز 89الـ من أصل 138 دولة، بجودة التعليم تقبل الجامعي، والمركز الـ112 في التعليم العالي.
إن حالة التراجع العام في مختلف المستويات التي نلمسها اليوم هي إحدى نتائج ضعف التعليم وتحوله الى تخريج حملة شهادات وليس متعلمين بالمعني العلمي للكلمة.
لا يتزرع أحد بقلة الموارد لأن كثيرا من الدولة التي تشابهنا استطاعت أن تتغلب على المشكلة، ومن ناحية أخرى فاذا نظرنا إلى محاور العملية التعليمية الأربعة فسنجد ان المشكلة تكمن في محوري المنهج والمعلم اللذين يؤثران على المحورين الاخرين (الطالب والمدرسة) لأن مشكلة الطالب تكمن في فقدانه الثقة بالمدرسة ، وهذه المشكلة يمكن التغلب عليها اذا اقتنع أولياء الأمور ان المدرسة فعلا تقدم تعلميا لأبنائهم ، فهم يدفعون الملايين للدروس الخصوصية، ومن ثم يمكن لمعظمهم ان يسهم في تحسين جودة المدرسة، إما عبر الرسوم المدرسية أو التبرعات، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في المنهج والمعلم ، فلا شك أن تأهيل المعلم وتوفير احتياجاته المادية سوف ينعكس على أدائه.
والدول التي أرادت النهوض حشدت طاقتها للتعليم، فمثلا كوريا الجنوبية حين تأسيسها كانت واحدة من أفقر دول العالم؛ وجاءت الحرب الكورية ( 1950-1953) لتُلحق دمارًا لكل القطاعات، وفي ظل غياب الموارد الطبيعية وضيق المساحة الجغرافية وشُح رأس المال، راهنت القيادة الكورية على رأس المال البشري. واستثمرت بكثافة منذ البداية في التعليم، فارتفعت نسبة الإنفاق على التعليم من 2.5% من ميزانية الدولة سنة 1951 لتبلغ في عام 1985 اكثر من 5 مليارات دولار بنسبة 27.3% ، واثمر التعليم ازدهار الاقتصاد، لذا عندما ارتفعت ميزانية التعليم في عام 2012 لتبلغ 47 مليار دولار أمريكي، فلم يمثل ذلك إلا 16.3% من ميزانية الدولة، ففي أقل من 30 سنة تضاعفت ميزانية التعليم بكوريا أكثر من 155 ضعفا. وكان يدرس بكوريا الجنوبية 11 مليون طالب وطالبة خلال العام الدراسي 2011 - 2012، أي أن الدولة تتكلف سنويا أربعة آلاف دولار لتعليم الطالب الواحد. بالمقابل وفي العام نفسه بلغت ميزانية التعليم بمصر 52 مليار جنيه (8 مليارات دولار) تمثل 10% من ميزانية الدولة، وعدد الطلبة بالمدارس المصرية 16 مليون طالب، أي أن الدولة تتكلف سنويا 500 دولار لتعليم الطالب الواحد.
فماذا جنت كوريا من ذلك؟ بلغ الناتج الإجمالي لكوريا الجنوبية تريليونا و 116,247 مليار دولار عام 2011 لتشغل المرتبة الـ 15عالميا بينما بلغ الناتج الاجمالي لمصر عن العام نفسه 235,719 مليار دولار لتشغل المرتبة 43 عالمياً.
فكيف يمكن للنخبة المصرية ان تبلور هذه القضية وتقنع الشعب قبل المسئولين بأهمية التعليم ومحوريته للتنمية؟
نقول النخب المصرية وليس الاحزاب، حتى لا يتم التعامل مع القضية كلعبة سياسة وكي لا تخضع للصراعات الضيقة ، فعلى النخبة ان تقدم القضية بحسبانها تعبر عن إجماع وطني.
ويجب أن ينطلق مطلبها من مصدر قوة، قوامه الرغبة الشعبية، والحاجة الوطنية، والمعرفة بأبعاد القضية وتشعاباتها، لذا نقترح ان تتم معالجة القضية من اليوم بشكل منطقي يبدأ بقيام النخب الوطنية بتعريف الرأي العام المصري وحشده لدعم القضية وتهيئته لقبول استحقاقاتها، ثم الدعوة الى مؤتمر علمي للمتخصصين في التعليم والمعنيين بهذه القضية من وزارة التربية والتعليم العالي وأكاديمية البحث العلمي وأصحاب المدارس الخاصة، والاستعانة بخبرة المصريين النابغين في العالم بهذا المجال، لمناقشة مستفيضة لأبعاد قضية التعليم ومشكلاته بمحاورها الرئيسية مع استعراض تجارب الدول التي حققت تقدما في التعليم سواء في الغرب مثل فنلندا أو دول العالم الثالث مثل كوريا الجنوبية، وسنغافورة، لأخذ الصالح منها للبيئة المصرية، ثم عقد مؤتمر عام بمشاركة كبار قادة الرأي من المعنيين بالشأن العام بمصر، وعلماء الدين وجمعيات المجتمع المدني ورؤساء الأحزاب لوضع آليات تنفيذ المشروع..فهل نبدأ بجدية الإعداد لهذه القضية ؟