يوسف القعيد
يحدث في مصر الآن - جيشنا من أكتوبر ليناير ويونيو
هلّ علينا يوم الجمعة الماضية مرور 44 عاماً علي نصر أكتوبر العظيم. أي أنه في العام القادم سيكون عمر النصر 45 عاماً. وبعد ست سنوات من الآن - يا تري من يعيش - سيحتفل المصريون بمرور نصف قرن من الزمان علي نصرهم الكبير علي العدو الصهيوني في الحرب التي اكتسبت اسمها من الشهر الذي وقعت فيه. مع أنها حرب تحرير، بل ربما كانت حرب التحرير الكبري في تاريخ مصر القديم والحديث التي حررت جزءاً عزيزاً غالياً من الوطن، وأعادته لدفء البلاد ولأحضانها ولسرمدية العلاقة بها.
علي أن إنجاز أكتوبر لم يتوقف عند أكتوبر نفسه. لكنه استمر بعد ذلك مع حدثين مهمين جداً في تاريخنا الحديث. ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011، بخيال الروائي يمكن أن أتخيل أسرة واحدة، صاحب الأسرة كان ضمن من عبروا في 1973، ثم أصبح ابنه الأكبر ضابطاً بالقوات المسلحة ونزل في الخامس والعشرين من يناير ليحمي الثوار وثورتهم. أما ابنه الآخر فقد كان مجنداً بقواتنا المسلحة العظيمة عندما جاءت 30/6/2013. أليست الأسرة نواة مصر الأولي والأخيرة؟ وهذا التواصل أليس السمة الأساسية لكل حلقات التاريخ المصري القديم والحديث؟.
إذا احتكمنا للأرقام سنقول أن ميادين مصر امتلأت بحوالي 33 مليون مصري يوم 30/6/2013. والتقدير جاء من »جوجل إيرث» بعد دراسات دقيقة. أي أن أكثر من ثلث الشعب المصري كانوا في ميادين المدن والقري من الإسكندرية حتي أسوان. إن فائض الغضب المصري في كل بيت مصري أخرج هؤلاء الناس بمجرد دعوة تلقوها من المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع في ذلك الوقت، ليعبروا عن رفضهم لحكم لم يحقق أمانيهم. بل تعامل معهم كالغنائم والممتلكات وحاول الحصول علي كل ما في الوطن.
بل إنهم في سنة حكمهم السوداء رفضوا الاعتراف بكلمة الوطن. قالوا إن الوطن حفنة من التراب النجس، وتكلموا عن الأمة وعن الخلافة وقالوا إنهم جاءوا ليبقوا وليحكموا مصر إلي الأبد. لكن إرادة الشعب المصري أوقفت مشروعهم بعد سنة واحدة من بدئه. وكان لا بد أن ينتصر الشعب.
إن كانت ثورة يناير ابنة فائض الغضب الشعبي والرفض الجماهيري لممارسات الحكم، وكذلك كانت ابنة الفضاء الافتراضي. فإن ثورة 30/6 هي الابنة البكر للغضب المصري تجاه سياسات الاستحواذ والاستيلاء والتمكين التي سارت عليها جماعة الإخوان وحلفائها من تيارات الإسلام السياسي الذين تعاملوا مع مصر وكأنها ملكاً لهم دون أي اعتبار للمصريين أصحاب مصر الحقيقيين.
ماذا كان سيفعل جيشنا أمام شعب مصر؟ وقد انتفض بكل طبقاته وفئاته وأعمار أبنائه ومحافظاته، رجاله ونسائه، شبابه وشيوخه، بحاروة وصعايدة، وأهل سيناء ومدن القناة، وأبناء صحراء مصر الشرقية وصحرائها الغربية، في حالة رفض مطلقة لحكم لم يعودوا يطيقون استمراره ساعة واحدة؟ جيش مصري كان من المستحيل عليه أن ينسي أنه جيش الشعب المصري. لم يكن أبداً جيشاً لحاكم. ولا لفئة حاكمة ولا لحزب سياسي، ولا لمنطقة جغرافية، ولا لاتجاه. ولكنه كان - وما زال وسيظل - مدرسة للوطنية المصرية فخره الأول والأخير أنه في خدمة شعب مصر دائماً وأبداً.
هل يمكن الكلام عن أي مشروع قومي في تاريخ مصر الحديثة لم يكن جيشنا طرفاً فيه؟ وجزءاً جوهرياً منه؟ هل يمكن تدوين تاريخ تطور المجتمع المصري والإدارة المصرية والوعي المصري دون أن يكون جيشنا في بؤرة البؤر من كل هذا التطورات؟ إن استجابة قواتنا المسلحة وجيشنا العظيم لنداء شعبنا المصري هو ما كان يجب أن يتم.
بل إن حكمة التاريخ ستقول - ولو بعد سنوات - من الآن أنه لولا ثقة المصريين في جيشهم. وإدراكهم أنه الحائط. والحامي الجوهري لهم. ما أقدموا علي ثورتهم بكل الثقة التي تبدت في سلوكهم. كانوا يفتحون صدورهم موجهة للظلاميين. لأن ظهورهم كانت تستند لحائط الوطنية المصرية لجيش مصر. جيش كل المصريين.
من يناير 2011 إلي يونيو 2013، حيث أمجاد الحاضر. لا بد أن نلقي نظرة الآن علي أكتوبر 1973. باعتباره المنبع والمصب. ولولا أكتوبر ما كنا وصلنا ليناير 2011، ولا ليونيو 2013.
وفي 30/6/2013 تقدمت القوات المسلحة واستجابت لنداءات المصريين وطلباتهم. وقررت حماية الثورة. وفي الحالتين 25 يناير 2011، و30/6/2013 أكدت القوات المسلحة أنها جيش الشعب المصري. تأتمر بأمره. وتنفذ مطالبه. وتقف معه في الأوقات الصعبة والأزمنة العادية. عندما يأمر الشعب، لا يملك جيشه - جيش الشعب - سوي الامتثال والتنفيذ مهما كانت الصعاب ومهما كانت المشاق.
جيش مصر درعها وفخرها وعرضها وأمنها وأمانها وكيانها الأساسي.