محمد درويش
نقطة في بحر - فليخرج من المسجد
في العقود الاولي من ظهور الاسلام وربما علي مدي قرن كامل انتهي الفقهاء ما بدأه الصحابة والتابعون من وضع أسس ما نستطيع أن نطلق عليه القواعد المطلوبة سواء في المعاملات او العبادات.
وترك هؤلاء الباب مفتوحا لمن يأتي بعدهم ليجتهدوا فيما يجد من أمور دنياهم لينيروا الطريق أمام كل سائل وحائر انطلاقاً من القواعد والأسس التي وضعها الأولون من الصحابة والتابعين، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.. ومن أوتي الحكمة فقد أتاه الله خيراً كثيراً.
وحدد الاسلام منهج الاجتهاد بشرط أن يكون المجتهد سوياً لا يبتغي أن يتيه بما يعرف أو يدعي أنه الأعلم وأنه وحيد زمانه.
بعد أن فرغ هؤلاء من الافتاء في كل صغيرة وكبيرة في شئون عصرهم الذي تواجدوا فيه، بدأ نفر من الناس وما أكثرهم في كل زمان ومكان في استفزاز الفقهاء والعلماء في محاولة من بعضهم لأن يثبتوا أن فلانا او علانا ليس بأعلم فقهاء عصره،وأن غيره ممن يتشيع له - المستفز بأسئلته - هو الفقيه الذي لا يشق له غبار.
لاح من بين ظهرانينا من يسأل عن كيفية استواء الرحمن وآخر بالسؤال الأزلي من خلق الخالق إذا كانت القاعدة أن وراء كل مخلوق خالق.
ويذكرني هؤلاء بالتلميذ الذي رأي في نفسه القدرة علي تحدي أستاذه ومعلمه فيلجأ إلي اسئلة يبتدعها وتكون المفاجأة أن سؤاله طرق مسامع الاستاذ منذ أول عام له في التدريس وما قاله التلميذ ما هو إلا تكرار للبعض عندما يري في نفسه العبقرية وأنه أتي بما لم يستطعه الاوائل.
وهذه السطور السابقة طرأت لي وأنا أطالع في الصحف والمواقع الإليكترونية الفتوي المتكررة هذه الأيام وهي جواز أن يضاجع الرجل زوجته المتوفاة.
الجديد في هذه الفتوي المتكررة أنها جاءت علي لسان واحد من أساتذة الفقه المقارن وهو د. صبري عبدالرؤوف الذي ظننت عند سماعي لصوته في إذاعة القرآن الكريم أنني استمع لتسجيل للراحل عطية صقر لتشابه صوتيهما.
وما زلت حريصا علي أن أنهل من علم الرجل الغزير من خلال برامج الاذاعة في فتاويه أو سلسلة حلقات في موضوع ما مع د. هاجر سعد الدين.
أعلم أن الفقه يعني أن يجد الفقيه إجابة لكل سؤال مهما كان شذوذ فكر صاحبه أو نشازه.
ولكن يا دكتور صبري لماذا نحصر هذه الأسئلة في نطاقها المحدود وتكون الاحابة فقط لهذا الواحد من مليون وربما من مليار مسلم لا يمكن أن يطرحوا مثل هذه الاسئلة التي لا تخرج إلا من إنسان غير سوي شكلا وموضوعا،بدليل أن في علم النفس يدرس طلابه تشريحا لنفس وعقل من يضاجع الميت وهو تشريح يؤكد لنا أن صاحبه بعيد جدا عن دينه وخاسرا لدنياه وآخرته.
يا مولانا أنت أعلم من أمثالي بالاسئلة الشاذة والنشاز ولانها كذلك فلا يصح أن نخرج بها للعامة، من الممكن أن نجيب علي السائل في نطاق ضيق للغاية.
ولتخرج يا مولانا من الاستوديو تجنبا لاصرار السائل علي جواز المضاجعة من عدمه، لانك لست في مسجد لتأمر بإخراجه منه كما أخرج الإمام مالك الرجل الذي أراد الفتنة بسؤاله عن كيفية استواء الرحمن.
المناخ ليس ملائماً لمثل هذه الفتاوي وكفي ما فعله بنا أحد زملائك بفتوي إرضاع الكبير.