المصريون
جمال سلطان
فرحة طال انتظارها .. ولكن
لم يكن في مصر حديث أمس إلا عن مباراة الكونغو ، لأنها المباراة التي إن حسمها منتخبنا الوطني ذهبت به إلى كأس العالم في روسيا مباشرة ، دون انتظار أي نتائج أو حسابات أو توترات أخرى ، كان الأمر يمثل حلما قديما لملايين المصريين ، بعضهم لم يشهد في حياته كلها حدثا مثل هذا ، وبعضهم من الكهول والشيوخ شهده مرة واحدة في العمر كله ، في العام 1990 ، كما أن البلد تعيش منذ سنوات أجواء من الكآبة والبؤس والانقسام ومعاناة صعوبة النفقات والعيش ، تهد "الحيل" ، وكانت بحاجة إلى "فرحة" تخفف عنها ، وتمنحها الأمل ، وهو ما فعلته كرة القدم ليلة أمس ، حيث نجح الفريق في الفوز الصعب بالمباراة ليتحقق حلم المصريين ،ولتعم فرحة طاغية شوارع الوطن من أقصاها إلى أقصاها .
للأمانة ، أداء الفريق كان رديئا للغاية طوال المباراة ، وفي حدود خبرتي ـ كرأس حربة سابق ! ـ فإن المدرب الحالي ضعيف القدرات وضعيف في رؤية المباراة نفسها ، وكان الجميع يرى شارعا في الجانب الأيمن للمنتخب الوطني يمرح فيه الضيوف طوال المباراة ولم يفكر في سده إلا آخر عشر دقائق ، كما كانت خبرة الاحتراف واضحة وحاسمة في صناعة الفارق ، رغم سوء الأداء ، وخاصة في حالة النجم المبهر محمد صلاح ، وأيضا المدافع القوي والعالمي أحمد حجازي ، والغريب أن الاثنين هاجرا خارج البلاد للاحتراف بعد سوء الأحوال في مصر وتولي المجلس العسكري للحكم عقب ثورة يناير ، ولم تعد البلد تساعد على التميز أو الإنجاز أو التطور في أي مجال ، أي أن صعود الفريق المصري لكأس العالم كان الفضل فيه ، بعد الله ، يعود إلى فشل النظام السياسي والإداري والرياضي الداخلي وعجزه عن التطوير أو الإنجاز وتحوله جميعا إلى بيئة طاردة للمواهب ، ولعله لذلك خفتت إلى حد كبير الأصوات النفاقية المعتادة في مثل هذه المباريات التي كانت تنسب الفضل والإنجاز للرئيس راعي الرياضة والرياضيين ، فلم يكن هناك أحد يتحمل كذبة بحجم تلك الآن ، وهناك إجماع على نسبة الإنجاز إلى "المحترفين" في الخارج ، وبشكل محدد ، إلى اللاعب الفذ محمد صلاح ، وليس إلى أي مسئول آخر كبير أو صغير .
كرة القدم الآن أصبحت صناعة وتجارة وتخطيطا علميا وطبيا وفنيا على أعلى المستويات ، كما أنها تحولت إلى "بيزنس" ضخم إعلامي وإعلاني وحتى في سوق المراهنات ، وبعض الأندية الكبرى ميزانيتها أكبر من ميزانية دول في العالم الثالث ، كما أنها أصبحت أحد أهم وأقوى أدوات الترفيه للشعوب ، بغض النظر عن كون الدولة متقدمة للغاية مثل ألمانيا أو في العالم الثالث مثل ساحل العاج ، كما أنها تصنع حضورا عالميا حقيقيا للدولة التي يشارك فريقها في بطولات كبيرة ، أو لديه عدد كبير من النجوم الذين يمارسون اللعبة في الأندية العالمية الشهيرة ، وهو ما يترجم غالبا في دعم السياحة وجلب الاستثمارات ، ولذلك كان السياسيون بمختلف شرائحهم وعالمهم يتمسحون في تلك اللعبة دون غيرها ويولونها الاهتمام الأكبر ، لأنها صانعة الشعبية والحضور ، ومن هنا كان نجاح منتخبنا الوطني في الوصول إلى "مونديال" روسيا 2018 إنجازا حقيقيا لمصر ، بغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك مع النظام والحكم والحكومة .
لاحظت أمس أن الفوز والفرحة الطاغية التي أعقبته وحدت الجميع ، من ضد السيسي ومن معه ، باستثناءات قليلة ، وحتى الأشقاء العرب الفرقاء والمختلفين ، اجتمعوا على تهنئة مصر والمصريين بالفوز ، احتفالات في السعودية والكويت وقطر والإمارات وفلسطين ، حتى أن الإعلاميين القطريين المعادين للنظام في مصر والمنتقدين الدائمين له ، بمن فيهم مذيعو قناة الجزيرة المعروفون حرصوا على تقديم التهنئة للشعب المصري على الفوز التاريخي ، حتى الصفحة الرئيسية لجماعة الإخوان على فيس بوك حرصت على تأكيد أمنياتها للفريق الوطني بالفوز .
أعرف أن آلاف الأسر في مصر موجوعة من الحزن والهم على خلفية مظالم جرت وتجري خلال السنوات الماضية وحتى الآن ، سواء بسبب الصراع السياسي المفتوح وضحاياه بالمئات قتلوا أو بالآلاف في السجون أو خارجها في المنافي ، أو حتى على مستوى الحراك الرياضي والقتلى الذين سقطوا على مداخل ملاعب الكرة أو داخلها ، وبقيتهم الذين حكم عليهم بالسجن القاسي لسنوات طويلة ، وكل تلك المظالم لا يليق أن ننساها في غمرة الفرح بانتصار الأمس ، وسنظل نذكرهم وندافع عمن له قضية عادلة ، وإن كان هذا كله لا ينبغي أن يحرم الجميع من أن يحيا لحظة الفرح "النادرة" ، وهي الدنيا هكذا ، نفرح ساعة ونحزن ساعة ، وإن كان الحزن والإحباط قد طال في مصر خلال السنوات الماضية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف