الأهرام
فتحى محمود
ســـلم نفســك
اثنان هما مصدر البهجة دائما للمصريين: كرة القدم (النادى الأهلى غالبا والمنتخب القومى أحيانا) والموسيقار الكبير عمر خيرت، ويمكن الآن أن تضيف اليهما مصدرا ثالثا هو المخرج الكبير خالد جلال، الذى تحول مركز الإبداع الفنى التابع لصندوق التنمية الثقافية على يديه إلى مصنع لاكتشاف وتأهيل النجوم الجديدة التى يمكن أن تكون رافدا مهما لقوة مصر الناعمة.

وهذا ليس رأيي فقط، ولكنه رأى عشرات المبدعين من مختلف المجالات الثقافية والفنية والفكرية الذين توافدوا على مركز الابداع الفنى خلال الأيام الأخيرة لمشاهدة العرض المسرحى (سلم نفسك) وهو عرض مادة الارتجال و التمثيل المسرحي للدفعة الثالثة قسم التمثيل بالمركز، وكان مستواه الفنى المبهر مفاجأة للجميع، وإن لم يكن مفاجأة لمتابعى خالد جلال.

وفى مناقشة ـ عقب العرض ـ مع الزميلة الأستاذة دعاء خليفة عن «الروح» التى يتعامل بها خالد جلال مع تلاميذه وكل العاملين بالمركز، ونجحت فى الوصول بهم إلى هذا المستوى المبهر، أوضحت أن هذه «الروح» كانت واضحة جدا منذ العرض الخاص بأول دفعة (هبوط اضطرارى) ثم العرض الثانى والذى لفت انتباه الجميع وحمل اسم (قهوة سادة) واستمر لفترة طويلة داخل وخارج مصر، وأن هذا التعامل يبدأ منذ طريقة اختيار اعضاء كل دفعة من بين آلاف المتقدمين، ثم تأهيلهم وتدريبهم على يد أساتذة كبار فى كافة التخصصات الفنية، للوصول بهم إلى هذا المستوى، وليفرضوا أنفسهم بموهبتهم على الأعمال الدرامية المختلفة بالمسرح والسينما والتليفزيون، لدرجة أن ابناء الدفعة الأولى كانوا منتشرين بشكل واضح فى مسلسلات رمضان الماضى.

هذا الأمر يذكرنى ـ ونحن نحتفل بذكرى انتصار مجيد ـ بما كنا نقوله دائما عن «روح أكتوبر» التى صنعت الانتصار، وقهرت الهزيمة، وكيف نستلهمها فى حياتنا العامة لننتصر دائما على كل التحديات التى تواجهنا، كما تذكرنى بالثمانية عشر يوما الأولى من ثورة 25 يناير والروح التى سادتها، وخلقت تحالفا فريدا بين مختلف أطياف المصريين الذين تجمعوا على هدف واحد، وكذلك روح التحدى التى فرضت إرادة الشعب المصرى واطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية.

هذه الروح المبدعة هى منظومة متكاملة من الوعى والإدراك لطبيعة الوضع وسبل تحقيق المستهدف بأقصر الطرق، كيف نبدع فى عملنا ـ أيا ما كان ـ ونهزم البيروقراطية واليأس والإحباط وننشر قيم التفاؤل والجمال والنجاح وروح الفريق، فنرتقى جميعا أفرادا وجماعات وهيئات ودولا.

وهنا لابد من الإشارة إلى تعليقين مهمين عما يحدث فى مركز الإبداع لمخرج متميز وإعلامية معروفة، فالمخرج عمر عبد العزيز كتب على الفيس بوك: هناك وللأسف اماكن قليلة جدا في مصر تشع بالأمل وتمدك بطاقة إيجابية نبحث عنها كثيرا، ومنها علي سبيل المثال النادي الأهلي كمنظومة رياضية تحاول ان تحافظ علي المبادئ، وايضا وهذا ما اريد ان أتكلم عنه بعد عودتي من سهرة فنية جميلة بمركز الابداع بدار الاوبرا المصرية.

فلقد ذهبت بدعوة كريمة من الصديق والفنان المخرج والمبدع خالد جلال لعرض باسم (سلم نفسك) وكم استمتعت وشحنت نفسي بطاقة ايجابية حقيقية من مجموعة شباب من الجنسين أعتقد وأتمني انهم سوف يفرضون أنفسهم قريبا وبقوة علي الساحة الفنية، فنحن امام عرض يجعلنا نشعر بالواقع المخزي في شكل ساخر (وهذا امتداد لفكر خالد جلال ) ولكنه في النهاية لايجعلنا نشعر باليأس تماما، ـ ولكن هناك أمل اذا عدنا كما كنا نحب بلدنا ونعمل بجد، فنحن ورغم كل مافينا من سلبيات نحمل بداخلنا جينات من الممكن أن تعيدنا الي الطريق الصحيح مرة أخرى ـ وذلك في اطار شيق ضاحك باسم رغم المرارة.

شكرًا لكل من ساهم في إخراج هذا العمل من فنانين وممثلين يكادون يقتربون من كلمة الفنان الشامل، شكرًا للفنان والمخرج والاداري خالد جلال، الذي أشعر بعد كل عمل له أنه من النوع الذي وهب فنه كل ذرة من أنفاسه ليضعنا علي عتبات البهجة التي أصبحت شحيحة.

أما الإعلامية ايمان ابو طالب فقالت على صفحتها أيضا: صباح الورد صباح الفخر والعظمة صباح الفن إللى ينور لك الدنيا أمس، وفى التاريخ الذى نعشقه جميعا 6 اكتوبر حضرت مسرحية سلم نفسك مشروع تخرج الدفعة الثالتة من طلبة استديو مسرح مركز الإبداع الفنى التابع لصندوق التنمية الثقافية، وإخراج المخرج المسرحى الشديد الابداع د. خالد جلال، الذى أكن له كل الحب و الاحترام و التقدير، و حبى لهذا الرجل لم يأت من فراغ وبعيدا عن صداقتنا وإخوتنا، لكنى هنا أتحدث عنه كمخرج عظيم يحمل هم وطنه طوال الوقت يحارب ويعمل ويكتشف نجوم أصحاب مواهب غير تقليدية، مواهب تعيدنا بسرعة الصاروخ لعصر الريادة الفنية ..ما رأيته أمس كان شيئا بديعا بكل المقاييس شباب زى الورد كلهم حب و عزيمة وايمان مواهبهم تفوق خبراتهم تفوق أعمارهم وعلى مستوى عال جدا من التدريب .. ما رأيته أمس جعلنى فى شدة السعادة وبكيت وبشدة من عظمة و جمال ما رأيت وبما استمتعت.

هذه الشهادات مجرد أمثلة على مايحدث فى مركز الإبداع، والذي يعتبره كثيرون مشروعا وطنيا لنهضة مصر الفنية، وعودة القوة الناعمة الضاربة التى شكلت صورة مصر فى الوجدان العربى، وهذه المرة عبر مجموعة من الشباب كالعادة هم نجوم مصر فى المستقبل القريب.

أو حسبما علق الإعلامى الشاب محمد نشأت: إن خالد جلال يملك مفتاح مشاعرك.. يبكيك ويضحكك، وهو قادر على صنع جيل مختلف بأحلامه وطموحاته وجنونه، أعلم جيدا أن الدولة المصرية وتحت رعاية رئيسها فى اول اهتماماتها هو شباب مصر، وأؤكد أن خالد جلال هو الوحيد القادر على خلق جمهورية فنية شابة قادرة ان تشرف مصر فى مشوارها نحو مستقبل شعاره «تحيا مصر».. ببساطة لأنه من يملك المفتاح.

> كلمات:

كل شئ زائل .. ونحن الذين نعطيه قيمته وأهميته، ثم نتألم ونتعذب من أجل هذه الأهمية المزعومة .. نفنى فى الحب ، والأشخاص الذين نحبهم زائلون فانون بطبيعتهم، وهذا أمر مضحك، ولكنه لا يضحكنا وإنما يبكينا ويعذبنا. !!

د. مصطفى محمود
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف