الوطن
د. محمود خليل
«جاب اليسرى»
رسالة بثتها قناة «الدلتا» الإقليمية تنقل من خلالها احتفاء وبهجة زوار المسجد البدوى بطنطا بالمولد الأحمدى. فعاليات مولد القطب الصوفى أحمد البدوى تتواصل لمدة أسبوع تنتهى بالليلة الكبيرة (12 أكتوبر). مئات من البشر ينخرطون فى الرقص والتمايل والإنشاد على إيقاع الدفوف وغيرها من أدوات التطبيل. لا يستطيع أحد أن يحدد الحالة التى يشعر بها المشارك فى هذا الطقس الجماعى وشعوره وانفعالاته، ربما كانت حالة وجْد، أو محاولة للانخلاع من هموم الدنيا، أو رغبة فى تصفية النفس من أوجاعها الفردية بالذوبان فى الجماعة. المهم أننا أمام طقس مصرى صميم.

خلال الاحتفال بالذكرى الرابعة والأربعين لنصر أكتوبر المجيد يوم الجمعة الماضى (الذى وافق بدء الاحتفال بالمولد الأحمدى) أكد الشيخ أحمد المداح، إمام وخطيب مسجد «أحمد البدوى» -كما نشر موقع «اليوم السابع»- أن «السادات» اتخذ قرار العبور بعد زيارة قام بها لضريح «السيد»، بصحبة الشيخ محمد متولى الشعراوى. لا يستطيع أحد أن يؤكد أو ينفى المعلومة، لكنها فى كل الأحوال تؤشر إلى مقام صاحب الضريح. وهناك معلومات مؤكدة عن زيارات تقوم بها شخصيات رفيعة المستوى للتبرك بالمقام، أو لتأمّل تلك الحالة التى تلف المصريين خلال مولد صاحبه. من هؤلاء على سبيل المثال السفير الأمريكى الأسبق ريتشارد دونى الذى كان شديد الحرص على حضور احتفال الطرق الصوفية بمولد السيد أحمد البدوى.

جوهر ارتباط المصريين بالقطب الصوفى أحمد البدوى ارتبط بواحدة من كراماته الكبرى، كما يؤكد المتخصصون فى هذا المجال، وتتعلق بإعادة بعض الأسرى المصريين فى الحروب الصليبية، ومن هنا نشأ الهتاف المصرى «الله.. الله يا بدوى.. جاب الأسرى». وهو هتاف تم تحريفه فيما بعد، حين استبدلت كلمة الأسرى بـ«اليسرى». ويبدو أن التحريف تم فى ظروف معينة كان المصريون أحوج فيها إلى «اليسر». ويصح القول إن أغلب مطالب المصريين من أولياء الله تتحدد فى حل بعض مشكلات الدنيا وتيسير أحوالها، يشهد على ذلك الدراسة المبهرة التى أجراها المرحوم الدكتور «سيد عويس» عن رسائل المصريين إلى الإمام الشافعى، وكان من أبرز نتائجها أن هذه الرسائل حملت مطالب لحل مشكلات معيشية معينة. والأغلب أن كلمة «مدد» التى يحب المصريون الهتاف للأولياء بها تعكس نفس المعنى، وتعكس نداء للأولياء بالتدخل من أجل «تيسير المعايش» أو حل المشكلات التى يواجهها طالب المدد.

نظرة المصريين إلى أولياء الله لا تحمل ولعاً دينياً وفقط، بل قد تتمدد إلى ما يتجاوز ذلك، فهى تحمل فى أحيان «عشماً اقتصادياً»، ورغبة فى مد يد العون لمواجهة «مشكلات حياتية». خلع المصريون على السيدة زينب بنت على، رضى الله عنهما، العديد من الأوصاف، لعل أبرزها: «أم العواجز»، و«أم اليتامى» و«رئيسة الديوان». والأوصاف الثلاثة تحمل دلالات تتجاوز ما هو دينى إلى ما هو دنيوى. فالوصفان: أم العواجز وأم اليتامى ارتبطا بالرعاية الخاصة التى كانت توليها حفيدة النبى صلى الله عليه وسلم لكبار السن والعجزة واليتامى، أما رئيسة الديوان فارتبط بما يردده المصريون من أن الوالى كان يعقد ديوانه فى بيت السيدة زينب وتحت رئاستها، بحثاً عن «اليسرى» بالطبع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف