عباس الطرابيلى
هموم مصرية - الإسكندرية.. الخديوية !
أعلم أن هذا العنوان غير دقيق.. ولكن نجاحنا في إنقاذ وسط القاهرة الحالي الذي أنشأه الخديو إسماعيل.. وفي إحيائه بعد أن كادت عمليات التشويه تقضي عليه.. وكذلك نجاحنا في انقاذ قلب القاهرة الفاطمية- بالذات شارع المعز وما حوله- هذا النجاح وذاك يجعلني أتمني أن نجد من ينقذ «عمارات الإسكندرية» الرائعة.. التي كانت تنافس عمارات باريس وفيينا.. ومارسيليا وروما.. وهي بحق ثروة تستحق أن نحافظ عليها.. ولا يجب أن نترك هذه المهمة لتلك الكوكبة الرائعة من الاسكندرانية الجدعان والمثقفين- رغم كفاحهم المجيد للتصدي لعمليات هدم الفيلات والمباني الرائعة لترتفع مكانها أبراج خالية تماماً من أي لمسة جمالية.
<< والمنطقة التي أتحدث عنها هي امتداد الكورنيش من الأنفوشي وحتي السلسلة وتمثال حورية البحر قبالة مكتبة الإسكندرية.. ثم مناطق الإبراهيمية والعطارين وكامب شيزار.. ومحرم بك.. ومحطة الرمل بالذات شوارع سعد وصفية زغلول والنبي دانيال.. ولا ننسي هنا جماليات العمارات الرائعة من محطة الرمل غربا.. وحتي مستشفي الشاطبي شرقاً، علي طول مسار الترام.
ومن هواياتي- منذ زرت الإسكندرية للمرة الأولي عام 1951- أن أقف أمام هذه العمارات، لأستمتع بما رأيت مثله بعد ذلك في مدن أوروبا العريقة.. وأتابع جماليات الرسومات وأعمال الجبس علي الشرفات والبالكونات وعلي كل واجهات العمارة.. ثم استمتع بالمساحات الهائلة لمدخل كل عمارة- بالذات عمارات محطة الرمل- وأتذكر أنني كنت أنزل دائماً في فندق صغير يطل علي البحر وقلعة قايتباي- اسمه فندق إيفي- وكانت أجرة الغرفة المطلة علي أجمل مشاهد الاسكندرية شاملة القطار كانت 32 قرشاً وذلك أواخر الخمسينيات وأنا صحفي في أخبار اليوم.
<< بشرط أن تبدأ الجهة التي ستتولي إحياء هذه العمارات بإزالة التشوهات التي أضافها تجار الحرب.. وسماسرة الانفتاح تماماً كما عملنا مع برنامج حماية القاهرة الخديوية.. لكي نبرز واجهات العمارات من جهة.. ونزيح التشوهات عن التماثيل وأعمال الجبس الجمالية في هذه الواجهات حتي ولو اقتضي الأمر إزالة أجهزة التكييف.. بالذمة ده كلام أجهزة تكييف علي كورنيش الإسكندرية!
وإنقاذ عمارات الإسكندرية إنقاذ للمدينة التي يصل عمرها إلي ألفي عام أي أقدم من القاهرة.. وهي عمارات عاش فيها الطالياني والملطاوي واليوناني والفرنسي والانجليزي.. بجانب المصريين، وكنت تسمع داخل العمارة الواحدة كل هذه اللغات.. تماماً كما عاش فيها المسلم والمسيحي واليهودي.. بجانب أولاد البلد.. حتي ولو كانت جذورهم من.. بحري!
<< ويا سلام لو امتدت أعمال إحياء عمارات الإسكندرية لما بقي من بارات، ومقاه، وبانسيونات سواء في تلك الأحياء الأوروبية أو الأحياء الشعبية.
هل نفعل ذلك لتعود الإسكندرية المدينة التي يحلم بالمرور عليها كل بحارة العالم.. ليقضوا ولو ساعات معدودات.
<. أم يا تري نسمح بأن نقتل الإسكندرية بهذا الاهمال.. أو تتحول إلي مجرد أكلة سمك وجمبري.
والنبي تنقذوا الإسكندرية فأنا وإن كنت دمياطي المولد إلا أنني سكندري الهوي وأعشقها أكثر في شهور الشتاء!