عبد القادر شهيب
شيء من الامل - صلاح ابن الفلاح
فارق كبير جدا بين ما كان يعتقده قطب الإخوان سيد قطب بأن الوطن هو حفنة من تراب عفن،، ولذلك أعرب علانية عن ندمه لتأخر تنظيم الإخوان في تفجير القناطر الخيرية وإغراق الدلتا كلها،، وما بين هذا التصرف العفوي التلقائي للاعب النجم الخلوق محمد صلاح حينما باغتنا منتخب الكونغو في إدراك التعادل في وقت قاتل،، حينما رقد علي الرض حزنا من شدة صدمة حلم كاد أن يضيع،، ثم سرعان ما استعاد تماسكه ووقف يستحث زملاءه لاستغلال الثلاث دقائق المتبقية من المباراة لإحراز هدف جديد وإحياء حلم الوصول إلي كأس العالم، وهو الحلم الذي يراود عموم المصريين منذ ٢٨ عاما،، بل لعله لا وجه للمقارنة أصلا،، فكيف نقارن حب الوطن والانتماء الشديد القوي له والإخلاص العالي لأهله وناسه وبين كره الوطن وعدم الإحساس بالانتماء له والسعي لتدمير أبنائه.
لقد تصرف لاعبنا الكبير محمد صلاح هكذا لأنه يحب وطنه حبا قويا ضخما، ولأن الانتماء الوطني لديه مرتفع جدا، ولذلك هو يحظي بحب جارف من عموم المصريين المهتمين بلعبة كرة القدم وغير المتابعين لها ولمنافساتها سواء المحلية أو الدولية، وتصرفه العفوي هذا الذي استرعي الانتباه العام بعد انتهاء مباراتنا مع منتخب الكونغو وفوزنا العزيز عليه ونجاحنا في الوصول إلي مونديال روسيا، لا يختلف عن ذلك التصرف التلقائي والعفوي لعموم المصريين فور الصدمة التي تلقوها في يونيو ٦٧، فقد خرجوا من تلقاء أنفسهم إلي الشوارع ليعلنوا رفضهم لقبول تلك الهزيمة أو الاستسلام لها، ولذلك رفضوا القبول بتنحي عبد الناصر، وطالبوه بالاستمرار للتخلص من هذه الهزيمة والاستعداد لخوض حرب ضد العدو لاستعادة أرض سيناء التي احتلت والكرامة الوطنية التي أهينت باحتلالها.
وحب محمد صلاح لوطنه يمارسه بشكل عادي وطبيعي وتلقائي في سلوكه العام وليس في المباريات والمنافسات الرياضية التي يخوضها، وشهدنا ذلك في ارتباطه بقريته وأهلها وناسها وحرصه علي بقاء علاقته بها وبهم قوية متوهجة، رغم أنه صار نجما عالميا وليس محليا فقط، لم يصبه الغرور، ولم يتكبر علي أهله وناسه أو زملائه، ولم يغير سلوكه الارتفاع الكبير في دخله والنجومية التي حظي بها، وإنما ظل يتصرف مثلما كان يفعل وهو لاعب غير معروف وغير مشهور، وعندما تبرع بمبلغ لصندوق تحيا مصر لم يتاجر بذلك ولم يسع للحصول علي مقابل غير منظور مثلما فعل البعض. كما أنه لم يفعل ذلك مضطرا أو مكرها وإنما فعله من تلقاء نفسه وبدون طلب من أحد، مثلما يفعل الكثير من أعمال الخير في قريته ومن أجلها.
هذه هي أخلاق الفلاح المصري الأصيل ابن طين هذه الأرض التي روتها دماء أبنائها مع مياه نيلها، الفلاح المصري المرتبط بأرضه، المحب لوطنه إلي أقصي حد، والمعتز به بشدة دوما والذي يتباهي بعراقته وتاريخه المجيد، والذي يعتبر بلده هو أم الدنيا كلها، وصلاح نشأ وترعرع علي هذه الأخلاق وهذه القيم، فهو ابن ذلك الفلاح المصري الأصيل الذي يقدم نفسه فداء لوطنه برضاء وطيب خاطر ينسي ما يعانيه من آلام وما يتعرض له من مشاكل وأزمات ويهب لنجدة ونصرة وطنه، شكر محمد صلاح وتحية لكل مصري يحب بلده مثله بالعمل وليس بالكلام والشعارات فقط.