الأخبار
خالد جبر
أضواء وظلال - معركة الست دقائق.. بين اليأس والأمل
كانت الدقائق الست فيما بين الدقيقة السابعة والثمانين والدقيقة الثالثة والتسعين من عمر مباراة مصر والكونجو من أصعب الدقائق التي مرت علي كل المصريين.
ربما كانت هي الأصعب فعلا.. انتقلنا فيها من حالة اليأس إلي منتهي النجاح.. بكت فيها الجماهير بعد أن كاد الحلم يضيع وكادت تذكرة الطيران إلي موسكو تهرب من أيدينا.. رسمت الجماهير سيناريوهات عديدة.. ماذا بعد التعادل.. هل ننتظر هدية ثالثة من الكونجو في مباراتها أمام أوغندا؟.. أم فوز مستحق أمام غانا في أكرا؟. السيناريو الأسود كاد يعود بنا الي لحظات فارقة مماثلة كنا فيها علي شفا الوصول إلي المونديال ولكن ضربة غادرة من هنا أو هناك أضاعت الحلم.
نفس السيناريو الأسود جعل بعض الصور تقفز إلي أذهاننا.. صورة جمهور متعصب لناديه ويعتبره فوق الجميع غاضب منذ اللحظة الأولي علي الفريق والمدير الفني من أجل لاعب لم يضمه.. وعلي المدرب العام لمجرد أنه من ناد منافس.. صورة مدرب أهوج دائم التوتر يحلم بسقطة يقفز بعدها إلي المنصب الذي يحلم به.. صورة محرز آخر هدف لمصر في آخر كأس عالم شاركت فيه مصر عام ١٩٩٠ بعد ٥٦ سنة من الغياب بعد أول مشاركة وهو يسخر من مجرد عدم التأهل.
ورغم كل تلك الصور وغيرها.. كان لابد أولا من التمسك بالأمل حتي لي كان ضعيفا.. ثم العمل علي تحقيقه مهما كان الوقت ضيقا.. وهذا الأمر يحدث كثيرا في كرة القدم.. لكنه لا يتحقق إلا لمن يمتلك الإرادة. ولا شك في أن لا عبينا كانوا يمتلكون الإرادة.. ولكنها تبلورت وتركزت في ابن قرية نجريج مركز بسيون محافظة الغربية.. الشاب المصري الجميل.. ابن مصر كلها محمد صلاح.. حامل علم مصر في بلاد الإنجليز.. والحمد لله لأنه لم يلعب لأحد القطبين المصريين اللدودين.
أدهشتني الحالة النفسية الشعورية التي مر بها صلاح خلال تلك الدقائق الست. أكثر من عشر حالات شعورية مر بها.. بدأت بالصدمة مثله مثل مائة مليون مصري.. ثم حالة الغضب مما حدث بعدها حالة الحزن والتي وصلت معه ومع الملايين بالبكاء وربما تسللت مع حالة الحزن حالة من اليأس.. لكنها والحمد لله لم تستمر طويلا.. تداخلت معها مشاعر الندم والتخبط والإحباط.. إلي أن عادت مشاعر الأمل مرة أخري.. توجه صلاح إلي الجماهير طالبا دعمه ومساندته.. خاصة هذا الجمهور المحب لبلده العاشق لقميص بلده غير المعترف بأي انتماء آخر.
ومع لحظة استرجاع الأمل.. يجيئ الفرج.. وتضع الأقدار محمد صلاح أمام تصحيح الصورة وتعديل الميزان واستعادة التذكرة المفقودة والتي كانت ستضيع.. بمنتهي الثبات والثقة وهدوء الأعصاب سدد صلاح ضربة الجزاء وكأنه يشغل محركات الطائرة المتجهة إلي موسكو مرة أخري.. ويخرس الألسنة التي كانت تريدها حزنا لا ينتهي.. ويقتل الأحلام التي كانت تريدها مسخرة تستمر ٢٨ سنة أخري.. ويخمد الكوابيس التي تراود الموتورين.
الطريق إلي كأس العالم لم يكن مفروشا بالورود.. بل كان بعيدا عن الدقائق الست التي تحدثنا عنها طريقا صعبا ووعرا.. ومع تداخل التصفيات مع تصفيات أخري إلا أن معدل النجاح فيها كان مذهلا.. حقق الفريق أربع انتصارات وهزيمة واحدة.. وهو انجاز كبير لابد أن نحيي عليه المدرب القدير هيكتور كوبر.
كوبر الذي لاقي هجوما لم يلقه أي مدير فني سابق للمنتخب الوطني.. انتقده الجمهور إياه هجوما شديدا من أجل لاعب ثلاثيني لا يلعب أساسيا في ناديه.. وجري وراءهم النقاد المنتسبون للنادي مع إشارة بين الحين والآخر لإنجازات الراحل الكابتن الجوهري والذي لا تختلف طريقة لعبه عن طريقة لعب كوبر بأي حال.. الذين يرون أن أسلوب كوبر الدفاعي مبالغ فيه، أقول لهم إن لاعبيك ولاعبي الفرق المنافسة يحددون طريقة لعبك دائما.. ويكفي أنك بهذا الأسلوب وصلت إلي نهائي أفريقيا وإلي كأس العالم. شكرا مستر كوبر رغم أنف الحاقدين والكارهين والرافضين لأي فرحة.
تبقي في النهاية حكاية المكافآت وتوريط الرئاسة فيها.. وهي قضية أثارت جدلا كبيرا.. وقفز علي تفاصيلها كثير من كارهي الفرحة وكارهي مصر. وهو أمر جدير بالتحقيق.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف