الأهرام
نيفين مسعد
الثابت والمتغير فى التحالفات الدولية
يراهن الأكراد على أن التقارب التركى - الإيرانى على خلفية قضية استفتاء كردستان مجرد تقارب وقتى سرعان ما سوف يتبخر مع بروز التناقضات فى مصالح الطرفين فى الساحتين السورية والعراقية . ويستندون فى ذلك إلى القاعدة الشهيرة التى يعرفها كل دارس للعلاقات الدولية والتى تقول إنه فى التفاعلات بين الدول لا توجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة . ومثل هذا الرهان الكردى صحيح فى جانب منه لكنه يحتاج إلى نقاش فى جانب آخر . هو صحيح فيما يخص تقلب التحالفات الدولية وتغير أطرافها من فترة لأخرى تبعا لما يمثله التحالف من أهمية بالنسبة لأطرافه . وفى وطننا العربى هناك العديد من النماذج التى تبدلت فيها العلاقات والتحالفات من النقيض إلى النقيض نتيجة تغير المصالح وتبدلها. فلقد انتقلت علاقة مصر بالعراق من التقارب الشديد فى بداية الحكم الثورى لعبد الكريم قاسم فى عام 1958 لدرجة بات معها العراق مرشحا للانضمام لدولة الوحدة المصرية -السورية ، إلى الصدام الشديد فى عام 1959 بعد تباين الاتجاهات السياسية للنظامين وصولا إلى اتهام عبد الناصر بدعم محاولة الانقلاب التى قام بها العقيد عبد الوهاب الشواف فى الموصل . وعلى العكس من ذلك فإن التوتر الشديد فى العلاقات المصرية- الأردنية فى الخمسينيات والستينيات كجزء من حالة الاستقطاب بين قوى التغيير والمحافظة فى تلك الفترة سرعان ما زال مع تجمع نذر الحرب فى الأفق ، وإذا بالعاهل الأردنى يزور القاهرة فى نهاية شهر مايو 1967 دعما للموقف المصرى ، ومثل ذلك يمكن أن يقال عن العلاقات المصرية - السعودية التى مرت بدورها بأطوار عديدة .

أما ما يحتاج إلى نقاش فى مسألة رهان الأكراد على تغير التحالف الإيرانى -التركى فهو إلى أى مدى يمكن إخضاع قضية السلامة الإقليمية لدولة من الدول إلى مبدأ مرونة التحالفات الدولية؟ . سبق القول إن وجهة التحالفات تتغير تبعا لمصالح الدول فهل يمكن أن تتغير مصلحة الدولة فى الحفاظ على وحدة ترابها الوطنى ؟ الإجابة على هذا السؤال تقدمه لِنا حالة العلاقات المغربية - الجزائرية ، وهى حالة تكسرت كل جهود تحسينها على صخرة القضية الصحراوية لأنها مسألة تتعلق مباشرة بوحدة التراب المغربى . وفيما يخص القضية الكردية فإننا إزاء قضية عابرة للحدود وبالتالى فإن تطورها فى إحدى الدول يؤثر على الدول الأخرى ، وهذا يعنى أن إيران قد تساعد أكراد العراق لإضعاف نظام صدام حسين ، أو أن تسهل تركيا بيع نفط كردستان بعيدا عن أعين السلطة المركزية فى بغداد تحقيقا لمصلحة اقتصادية 0 ولو وسعنا النطاق أكثر نقول إن سوريا قد تستضيف قواعد حزب العمال الكردستانى نكاية فى تركيا ، لكن عندما يصل الأمر إلى انفصال الأكراد فى أى من هذه الدول فإن الأمر يختلف وتضطر الدول الأربع إلى التنسيق فيما بينها و تجميد تناقضاتها السياسية والاصطفاف فى مواجهة الخطر المشترك .

وبخلاف ذلك يوجد عاملان أساسيان يدفعان هذه الدول للتحالف معا وأيضا مع روسيا . العامل الأول سياسات الرئيس ترامب التى تتكفل بجمع كل الأضداد ، فالرئيس الأمريكى يُصّعد مع روسيا ويعاقبها وبالطبع مع إيران وصولا للتلميح باستخدام القوة العسكرية ضد هذه الأخيرة ، وهو يحارب داعش لكنه أيضا يحارب من يحارب داعش فى سوريا وتقصف طائراته مواقع للنظام السورى بين حين وآخر، وهو يمنع بشكل مفاجئ مواطنى العراق وسوريا وإيران من الدخول إلى الأراضى الأمريكية ، وأخيرا هو يُغضب تركيا بدعمه قوات سوريا الديمقراطية دون مراعاة الحساسية التركية البالغة من هذا الأمر . من هنا فإن الدول الخمس عندما تتقارب فإنها تبعث برسائل قوية للرئيس الأمريكى كتلك الرسالة التى بعثت بها تركيا بتعاقدها مع روسيا على صفقة صواريخ إس -400 وهى الدولة العضو فى حلف شمال الأطلسى ، أو كتلك الرسائل التى تبعث بها الزيارات المتبادلة بين رئيسى هيئة الأركان فى تركيا وإيران . أما العامل الثانى الذى يجمع بين الدول الخمس فهو تطورات المعركة مع داعش وفتح الشام ( جبهة النصرة ) والتى تحتاج التحسب لها والتعامل مع نتائجها أولا بأول . ومن الطريف هنا أن مسار الأستانة الذى فرضته روسيا وتركيا على إيران قد صارت له مفاعيله الذاتية فإذا بالجولة الأخيرة منه (أستانة 6) تسفر عن تنسيق بين الدول الثلاث بحيث تحافظ تركيا على الأمن داخل محافظة إدلب فيما تعمل روسيا وإيران على تأمينها من الخارج فى إطار مناطق خفض التوتر.

هكذا يراهن الأكراد على أن تتغلب تناقضات دول الجوار على موقفها الموحد من الإقليم ، لكن واقع الحال يشير -فى حدود الأمد المنظور- إلى أن التحالف التركى - الإيرانى مستمر ويتوسع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف