مدبولي عثمان
دائرة الوعى - مفاتيح النصر لاتزال موجودة
"الزمن أصبح غير الزمن.. والناس غير الناس ..وأصبحنا في حاجة للانتصار علي أنفسنا لإزالة كثير من السلبيات داخلنا"!! كتب هذه الكلمات الصادقة أحد الاصدقاء تعليقا علي مقالتي الاسبوع الماضي بعنوان "شعب يرفض الهزيمة" والتي كانت بمناسبة الذكري الـ 44 لانتصارات اكتوبر. توقفت أتأمل بعمق تلك الكلمات الصادرة من رجل صاحب تجربة واسعة تتعدي حدود البر المصري ويتمتع برؤية عميقة مملوءة بالوطنية وحب جارف للوطن.
توقفت أحاول أن أرصد التغيرات التي طرأت علي الناس لأني أري أن الزمن هو الزمن ولكن الايام تتلون بتصرفات الناس وبطريقة تفكيرهم فيهيئ للبعض أن الزمن يتغير. وبالمزيد من الفحص والتدقيق تبين أن غالبية أخلاقيات وسلوكيات الجيل الذي صنع نصر أكتوبر العاشر من رمضان اختفت من حياتنا. ومن الصعب رصد كل التغيرات في تلك المساحة الضيقة ولكن سأتطرق لأهمها فقد اهتز الولاء والانتماء للوطن كثيرا أيامنا هذه خاصة بين الشباب وأصبح هاجس الهجرة الي الخارج يطارد الغالبية وهنا لفت نظري بوست مصور يتم تداوله علي مواقع التواصل الاجتماعي لشاب يسأل آخر: نفسك تطلع ايه لما تكبر؟! الاجابة: أطلع بره مصر!!! وهو ملصق خطير لانه يعكس حالة مزاجية لغالبية الشباب المصري شاهدتها عن قرب بمقابلة بعضهم والتحاور معهم ورغم انني من المعارضين بشده لسفر المصريين للعمل بالخارج ايا كان سنهم بسبب تجارب عملية عايشتها عن قرب. الا انني اجد نفسي حائرا امام حجتهم. ففي كثير من استطلاعات الرأي عن أسباب الرغبة في السفر للخارج أجمع غالبية الشباب علي أن الفساد والرشوة والواسطة في التعيين أدت إلي سيطرة غير المؤهلين علي الوظائف لأن معيار الاختيار في العمل لا يعتمد علي الكفاءة . وبالتالي قلة فرص العمل بل وانعدامها أحياناً تؤدي إلي ظهور أشكال متعددة للبطالة والأزمات الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة .وفي حال الحصول علي العمل فالراتب لايكفي للمواصلات التي يذهب بها للعمل .فيجد الشاب نفسه بلا عمل ولا مال ولا زواج.
وهنا يشعر الشاب الذي اجتهد طوال حياته الدراسية وحرم من تكافؤ الفرص بالانكسار ويصاب بنكسة داخلية مما يفقده روح الانتماء بل والقدرة علي العمل . ولأن الشباب عدة وأدوات النصر لأي مجتمع وجب علي الحكومة التحرك العاجل لتوفير فرص عمل مناسبة للشباب ووضع معايير حقيقية للتوظيف حتي نعيد للشباب ثقته بنفسه ونجدد داخله روح الانتماء لوطنه.
رصدت أيضا اختفاء الشهامة والجدعنة من الشارع المصري فلم نعد نغيث الملهوف أو نعطي المحتاج وأصبحت جرائم السرقة بالاكراه والتحرش تتم في وضح النهار دون ان يحرك أحد ساكنا لإنقاذ الضحايا وتمر مئات العربات بمصابين علي جانبي الطريق دون ان يتوقف أحد لانقاذهم.
اختفت إلي حد كبير العلاقات الحسنة بين أفراد الاسرة الواحدة واصبح من المعتاد عقوق الوالدين وأحيانا قتلهم لأسباب تافهة وكثرت المشاكل بين الاشقاء بسبب الميراث واضطربت العلاقات مع الاقارب ونسمع كثيرا العبارة الكريهة "الأقارب كالعقارب" اختفت حقوق الجار وتراجعت لدي الغالبية قيم ومفاهيم العمل الجاد وكثر الغش والخداع في المعاملات.
كل ذلك يشير إلي أن سلبيات كثيرة تسربت داخل المجتمع. ورغم ذلك أري أننا مؤهلون لتكرار نصر أكتوبر في زماننا وأن مفاتيح النصر لا تزال موجودة وتحتاج فقط لجهد فردي وجماعي جاد لإزالة الصدأ عنها.