المصريون
أمير شفيق حسانين
التعليم فضائح ونصائح!
لعلى أجد من يتفق معى بأن مشروع تطوير التعليم المصري، لا يزال مجرد فكرة فى الخيال، وحُلم يُنتظر تحقيقه، وإنه لن يتحقق طالما بقيت آليات التعليم الهش تعانى الصدأ والحُطام، ومن المؤسف أن تظل المنظومة التعليمية المصرية، منظومة عقيمة الثقافة، بائسة الفكر، بطيئة فى الترقِي، تشتكى خُلوها من الحيوية وتعدد المعارف والعلوم الحديثة، فهى منظومة فقيرة لا تبحث عن موهوبين ولا ترعاهم .
ومنذ سنوات وأنا أنظر بعين النقد والرفض، مستنكراً الجهود الضائعة لأجل ترقيع وسمكرة التعليم، الذى لم يعد قادراً على صُنع مُتعلم مبدع، طالما أن مجرد تحقيق النجاح فقط ، وليس التفوق، أصبح هو الهدف الأسمى لدى كثير من الطُلاب.
وطالما سِيق المعلم لبيت الطالب ليُعطيه درساً نظير المال، وطالما اُتيح الغِش بالمدارس سِراً وعَلانيةْ، مع استمرار تجرأ الطالب على مقام أستاذه بالكلمات والحركات الساخرة، وبقاء الإعلام المصرى مُراعياً لسياسة السُخرية من شخصية المُعلم، بزعم إنعاش كوميدياه البزيئة، فإننا لن نرتقى إذن أبداً!!.
وفى فترة الستينيات، اعتاد أحد معلمى الأرياف أن يركب حماره ذاهبًا لمدرسته، ثم كان ينزل من على حماره عند باب المدرسة، وينادى على أحد التلاميذ، ويأمره بسحب الحمار إلى حقله، وتسليمه للمزارع بأرض ذلك المعلم، لكى يُطعم الحمار من البرسيم، وكانت الفرحة تغمر الطلاب الكارهين للتعليم، بمهمة سحب الحمار، لأن المعلم كان يسمح لهم باللعب خارج المدرسة، ولا يعاقبهم لعدم حضورهم، واستمرت عادة سحب الحمار، من المدرسة إلى الحقل، ومن الحقل إلى باب المدرسة، لسنوات طويلة، حتى تسبب ذلك فى تسرب الكثير من التعليم، بسبب أستاذهم الذى ضلَلهم ولم ينصحهم بخير!!.
ثم لم يكن الحبس لمُدِةْ سنة، هو العقاب الكافى للمعلم الذى أقدم على إطعام تلامذته، البرسيم الأخضر، بإحدى مدارس صعيد مصر، لمُجرد تقصيرهم فى عمل واجباتهم المدرسية .
وذات مرة، فوجئت طالبة الإعدادية بمُعلم درسها الخصوصى، وقد اتكأ على الأريكة بالحجرة، ودخل فى حالة نوم عميق، بعدما أعطاها مسألة لحلها، مما دفع الطالبة أن تنهض وتخبر والدتها بنُعاس معلمها، فأمرتها والدتها بأن تُطفى الأنوار وتُغلق الباب على المعلم، كى يستريح من إجهاده، وبعد فترة من الوقت استيقظ المعلم ليُفاجأ بما حدث، فاعتذر - حرجاً - لأهل البيت عما بدر منه، ولو أن لهذا المعلم راتباً يكفى متطلباته وأُسرته، ما استقطع من صحته وعافيته وأنفاسه.. ليوُصِل ليْلَهُ بنهارِه، معطاءً للدروس، جامعاً للأموال !!.
ومُعلم آخر كان يذهب إلى بيت تلميذة بالصف الرابع الابتدائى ليعطيها درساً خاصاً، فى تمام الساعة الخامسة والنصف صباحاً، أى بعد مطلع الفجر بقليل، وقد حرم المسكينة – ذو التسعة أعوام - من النوم الذى تشتهيه، وأجلسها فى برد الشتاء وهى كارهة للدرس، ما بين نائمة وشاردة وفاقدة للتركيز؟ّ!.
وذات مرة كان معلم الكيمياء يشرح لطلاب الثانوية العامة، درساً عن الفرن العالي، فأشار أحد المشاغبين على الشحنة الموجودة بداخل الفرن، وسأله قاصداً مضايقته: " ما هذه ؟! "رغم عِلْمُه بمُسماها، فأجابه المعلم ساخراً "هذه راقصة"، فارتفعت قهقهات طلاب الفصل بسبب التعليق المُعيب لمُعلمهم!!.
وكان هناك مُعلم، ينتمى لعائلة اسمها "الجحش"، وذات مرة دخل زميل لهذا المعلم على طلاب الفصل، وسألهم ضاحكاً "هل تعرفون المعلم الوحيد بالمدرسة الذى له ذيل ؟!" فأجابوه "إنه الأستاذ فلان"، فيا أسفى على هذا المعلم الذام فى زميله، إنه أحوج لأن يتجرَع كئوساً من التربية والتهذيب، ليتأدَب قبل أن يُصبح مُؤدِباً.
ومن الكوارث الامتحاناتية، تعمد إدارات المدارس إطعام أفواه المراقبين على الامتحانات، كنوع من التودد لهم، ليُسهلوا الغش ونقل الإجابات للممتحنين، ومن العجائب أن يدخل طالب امتحانات الدور الثانى فى سبعة مواد دراسية، فيتساهل معه المراقبون ويقدموا له ولغيره الإجابات، فينجح.. وهذه طالبة أخري، تدخل امتحانات الدور الثانى لتمتحن فى مادة واحدة فيُعاكسها الحظ ولا يُسمح لها بالغش.. فترسُب!!.
ومن الأمور التى تؤلم نفس كل مُصحح، هو تنقية أجوبة الطلاب من بين خطوطهم السيئة، التى لا تُقرأ ولا تُفهم، وكأنك تبحث عن إبرة وسط كوم قش، فالمصححون يتعثرون ليجدوا أشباه إجابات، وليس إجابات نموذجية وافية، مجرد أشباه للإجابات الصحيحة، لتُحْسب صحيحة، فيُعطوا أصحابها بعض الدرجات التى تؤهلهم للحاق بمؤخرة قطار النجاح، ولو رُوعِى العدل والمصداقية، لما نجحوا !!.
ولقد صُدِمت عندما أخبرنى زميل لي، بأن مدير مدرسته الخاصة، ابن الثمانين عاماً، نَصَحه وحاول إقناعه بالذهاب لبيت طفل، ليُعطيه درساً خصوصياً، مُؤكداً له أن والده الطفل "حلوة " !!.
ومن القضايا المُهمَلة التى تهدد إصلاح التعليم هى الإبقاء على المعلمين الذين لديهم عيوباً فى النطق، كالمعلم الذى ينطق "الخاء" وكأنها حاءً، أو ينطق الراء كأنها "ياءً"، مما يؤثر بالسلب على سماع ونطق وتجويد الطلاب للتعبيرات والألفاظ والكلمات.
أما الحقيبة المدرسية، فهى جبل يحمله ظهر الطفل، بما تحويها من كتب لجميع المواد الدراسية، وكراسات ومذكرات وكتب خارجية وزجاجة مياه للشرب وآلة حاسبة وصندوق للغذاء، وغير ذلك، مما يُثقل ويُألم ويُفزع ظهر الطفل يومياً، ولو أن أسرة كل طفل، نظمت حقيبة طفلها، باتباع الجدول اليومى للحصص فقط، لانعدمت الأزمة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف