محمد جبريل
من المحرر - أي عزاء؟! نعيت لنفسي وفاة شقيقتي
صارت أماً لنا- بحكم الضرورة- قبل أن تبلغ الرابعة عشرة. اختطف الموت أمنا- بمرض القلب- وهي في الرابعة والثلاثين.
كان أبي يحب سميرة- أو سمرة كما كان يناديها- لكنها لم تكتم استياءها حين ألقي بقفاز المسئولية في براءة طفولتها. ورحل.
عانت سميرة في تسيير أمور حياتنا بما لاتقوي عليه سنها الصغيرة. فإلي جانب حرصها علي مواصلة الدراسة دبرت. واختصرت. واختزلت. حتي تستمر حياتنا بأبسط المقومات. وكانت تتفنن في إعداد الطعام بأقل تكلفة. وألذ طعم.
يحيي حقي يقول: الماضي مهما كان مراً فهو حلو. هذا القول يصح في ذكريات كثيرة. لكن الواقع المأساوي "لا أجد تعبيراً آخر"! الذي عشناه وعاشته سميرة بخاصة. من المستحيل أن نجد فيه شبهة حلاوة!. كنا نعاني هم قدوم الليل. لنعاني هم مجئ النهار. ونعاني هم اليوم التالي. والايام التالية. ما نسيناه- أو اضطررنا لتناسيه- سني الرخاء التي أتاحتها لنا موارد أبي الكثيرة من وظائفه كمترجم في العديد من الشركات الاجنبية المهمة. وفي العديد من اللغات.
وكان استياء سميرة أن أبي أنفق ما في الجيب. فأتي الغيب بما لم نكن نتصوره!
أصارحك بأنه لو لم يقدم جمال عبدالناصر إلي المواطن المصري "قدم له الكثير" سوي التأمينات التي تتيح له معاشاً شهرياًفإن تطبيق ذلك القانون. مثَّل بداية حياة جديدة للملايين من الاسر المصرية التي كانت حياتها تتبدل إلي النقيض لمجرد وفاة العائل!
تذكرني سميرة بدومينيك في روايتي "ذاكرة الاشجار" لا تشابه بين الشخصيتين في الديانة. ولا الملامح الظاهرة. ولا نوعية البيئة التي تنتسب إليها كل منهما. ربما التشابه في رعاية سميرة الصامتة للبيت. لا تتكلم. ولا تناقش. ولا تتذمر. العناية بأمور البيت قدرها الذي لاسبيل إلي مقاومته. حتي بعد أن رحل أبي. لم يرتفع صوت سميرة ولا شخطت في أحدنا. ورغم الاعوام القصيرة- بينها وبيني- فإنها كانت تحرص ان تدفع بي إلي الحمام في فترات متقاربة "وسواس النظافة عادة ورثتها عن أمنا" تدلك أعلي جسدي بيدها. وتنصرف قائلة: كمل انت!
تزوجت سميرة المهندس مصطفي الباشا. عملت مدرسة أعوام اشتغاله مهندساً للبترول في ليبيا "وطن جده" ثم عاد الزوجان إلي مصر. بداية لرحلة المعاش.
كان المرض في انتظارها. عانت تأثيراته قبل ان أفقد قيمة غالية ليس علي المستوي الاسري فحسب. وإنما علي المستوي الانساني في أنبل تجلياته.