لم أصدق أن لغة المال مازال لها علي المستوي الدولي هذا البريق وذلك الصوت العالي.. ما يحدث في اختيار مدير اليونسكو خاصة الصراع بين مرشحة مصر ومرشح قطر برغم من منافسة اليهودية مرشحة فرنسا يجعلنا نتساءل: هل وصل تأثير المال لهذا الحد؟
أعرف أن قطر تبحث عن مكان في هذا العالم بأموالها وكانت الرشوة المالية هي سلاحها في اختيارها لاستضافة مونديال 2022 ولكن في الثقافة والعلوم والحضارة هذا أمر غريب!!
كيف يمكن أن نصدق أن مرشح قطر نجح في حصد هذه الأصوات حتي في إفريقيا وفي دول كبيرة وهي التي ترعي الإرهاب باعتراف العالم كله.. وهي بلا حضارة بشهادة العالم كله!!!
لا يهمني من يفوز بالمنصب.. ولا يهمني أن يكون مرشح قطر هو مدير اليونسكو أم لا ولكن يهمني المعني والهدف.. ولابد أن نعترف أن لغة المال هي الأقوي ولابد أن نعترف أن العالم كله لم يعد يهتم بالقيم والمباديء أو الحضارة والتاريخ.. بل العالم كله يلهث وراء المال.. حتي لو كانت أموال الرشوة..!!
الرشوة المالية أصبحت أهم وسائل الدبلوماسية في العالم.. وأهم وسائل النفوذ ولكن لم نكن نتخيل أن تكون العلوم والثقافة والحضارة أيضاً للبيع في مزاد علني عالمي وتحت نظر كل العالم.
مصر هي أم الدنيا.. وهي الحضارة ومهد الحضارات.. هي التاريخ والجغرافيا.. ونحتاج إلي عودة الإنسان المصري للواقع الذي نريده وللمستقبل الذي نتمناه ويجب أن تكون.. قوة مصر الحقيقية في الإنسان المصري.
أيها الموت.. رفقاً!!
أعلم جيداً أن الموت حق.. وأن كل نفس ذائقة الموت.. وأن كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
أعلم أنه كأس وكل الناس شاربه ولن يفلت منه أحد وأن سيدنا نوح عليه السلام وهو شيخ المرسلين وعاش ما يقرب من ألف عام أو يزيد سأله ملك الموت وهو يقبض روحه: يا شيخ المرسلين كيف وجدت الدنيا.. فأجاب: دار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.
أيها الموت.. رفقاً.. كل يوم تزور صديقاً أو حبيباً أو أخاً.. فماذا تريد؟
أيها الموت رفقاً.. فقد خطفت منَّا الأحبَّة والإخوة واحداً تلو الآخر فماذا بعد؟ نحن لا نخشاك فأنت كأس كل الناس شاربه.. لا نخاف منك لأنك الحقيقة الوحيدة التي نثق فيها في هذه الدنيا.. ولكن نخشي مرحلة الحياة فيما بعدك.. نخشي الوقوف بين يدي الله.. وقفة الحساب.. وخطوات الصراط.. نخشي ظُلمة القبر ووحدة القبر.. نخشي قلة الأعمال الصالحات وكثرة الأخطاء والخطايا نخشي رهبة الموقف العظيم.
أيها الموت رفقاً.. فماذا بعد؟
يقول أحد الحكماء: "يجب ألا نبكي علي أصدقائنا عند الموت.. إنها رحمة أن نفقدهم بالموت ولا نفقدهم وهم أحياء"..!!
كلمات رائعة فهل نعيها أو نفهم ما وراءها؟
لقد جذبتنا الدنيا وضحكت علينا فأنستنا الإخوة والأصدقاء والأهل.. كم من رجل أو امرأة شغلته الدنيا فلم يصل رحمه؟ كم من رجل أو امرأة شغلته الدنيا وانشغل بأبنائه ونسي أن يصل أمه أو أباه وهل لا يدري أن ما شغله اليوم سينشغلون عنه غداً.
كم من أخ أو أخت نسي أن يتواصل ويسأل عن أخيه و أخته؟ كم من صديق لم يعد يسأل عن صديقه.. لا يسأل عنه فقط فما بالك وهو يؤذيه ويتحدث عنه بما لا يرضيه أو يسيء إليه ظلماً أو حتي عن حق.
شغلتنا الدنيا وهي دار الفناء.. ونسينا أنفسنا وأهلنا وأصدقاءنا.. حتي يأتي الموت فنفيق وليت اننا لا نفيق!!
يأتي الموت بغتة.. حتي المريض الذي لا يُرجي شفاؤه ننتظر المعجزة ليشفيه الله وننسي أن الموت علي رءوسنا جميعاً يقف!!
تأخذنا الدنيا بغرورها.. وتغرنا بأحوالها فننسي أن الموت قريب.. حتي نفقد عزيزاً وها هي زميلتنا وصديقتتنا سمية أحمد أفضل من عمل في الشئون العربية وأكثرنا إخلاصاً ترحل بعد أن أرهقها المرض.. رحلت في هدوء بعد أن أعطت لأربعين عاماً جهداً وتميزاً.
لم تكن سمية أحمد مجرد صحفية متميزة ومحررة مثقفة فقط بل كانت أيضاً إنسانة محترمة شفافة كلها أمل وثقة في النفس وحباً للخير.. منتهي الوطنية وحب الوطن.. وحب المكان الذي تنتمي إليه.. لم نعرف عنها يوماً إلا حبها للناس وللجريدة وللمجتمع وللوطن.. أعطت بكل الحب والثقة والرضا.. بكل الصدق والإخلاص تفانت في عطائها للناس وللأصدقاء وللأهل وللزملاء.. لم تتأخر يوماً في عطائها عن خير.
رحلت سمية أحمد.. بعد أن رحل محمود نافع ومن قبله جمال كمال.. ومعهم سيد أحمد.. ثم يتوالي الأحبَّة والأصدقاء والزملاء واحداً تلو الآخر فماذا بعد أيها الموت؟
الأخت الغالية سمية أحمد كانت رابعتنا جمال كمال ومحمود نافع وكاتب هذه السطور.. في العدد الأسبوعي بالزميلة الجمهورية.. نلتقي مع أستاذتنا الغالية عصمت حامد شفاها الله وعافاها ومنحها الصبر والرضا والعافية.. فهي أستاذتنا وأمنا وملاذنا في بلاط صاحبة الجلالة وما حولها.. متعها الله بالصحة والعافية.. كنا نلتقي بانتظام حتي بدأ العقد ينفرط.. رحل جمال كمال.. ثم محمود نافع وهاهي سمية أحمد تلحق بهم.. فاللهم الحقنا بهم في الصالحين وفي جنة النعيم يارب العالمين.
الموت لا يختار إلا الأفضل.. رحل جمال كمال وكان رحمه الله قمة العطاء والإنسانية والمهنية ثم كان الدور علي محمود نافع وهو من هو.. حباً وصدقاً ومهنية وخفة دم وتميزاً في كل شيء.. فكانت مصيبة الموت تواجهنا مع كل الأصدقاء.. وكنا نعزي أنفسنا بأن الموت يخطف الأفضل.. حتي كان الدور علي سمية أحمد التي ترحل في صمت وهدوء كعادتها وهي التي تتميز بالحيوية والصدق والعطاء في كل شيء.
أيها الموت رفقاً..
أيها الموت ماذا بعد؟ لا أستطيع أن أقول لك لا تقرب مساكننا.. لأننا فيها ضيوف.. نحن الذين نعيش لا ذكري لنا لا حلم.. لا أشواق تشرق.. لا مُني.. نحن لم نعد نملك إلا انتظار الموت فيا أيها الموت رفقاً..!!