مصطفى هدهود
مصر وبيلاروسيا الماضي والحاضر
زرت عدة مدن ومواقع تاريخية ومصانع وتحدثت مع العديد من المسئولين والمواطنين بدولة بيلاروسيا خلال زيارة عمل. وتؤكد نتائج هذه الزيارة مدي عمق بصيرة الرئيس عبدالفتاح السيسي لاهتمامه بتعميق التعاون بين مصر وبيلاروسيا.
وتقع بيلاروسيا في الشمال الشرقي لأوروبا وتحاط بروسيا الاتحادية من الشرق والشمال وليتوانيا ولاتفيا من الشمال وبولندا من الغرب وأوكرانيا من الجنوب وعدد سكانها 9.5 مليون نسمة فقط.
وبالنسبة لماضي دولتي مصر وبيلاروسيا نجد عمق الحضارة المصرية التي تجاوزت 7000 عام والتطور العلمي لقدماء المصريين والفراعنة مروراً بالعصور المتعددة حتي العصر القبطي ثم الإسلامي وحتي تاريخه بينما نجد بداية إنشاء الدولة الأولي في أراضي بيلاروسيا منذ 1100 عام وأصل سكانها من البيلاروسين إحدي جماعات السلوفاك الشرقية.
ولقد بدأ التعمير الفعلي لأراضي بيلاروسيا خلال القرن الرابع عشر عندما زادت أطماع الجماعات المتواجدة في أراضي الدول المحيطة بها في بولندا وروسيا القيصرية مما دفع حكام وكبار الملاك بتشييد القلاع والقصور والحاميات في كل أنحاء بيلاروسيا لحمايتهم من الغزاه والتي ارتبطت بالتاريخ البيلاروسي منذ القرن الخامس عشر وحتي تاريخه. مروراً بانضمامها إلي بولندا ثم روسيا القيصرية ثم الاتحاد السوفيتي ثم الاجتياح الألماني خلال الحرب العالمية الثانية ثم فترة إعادة البناء والتعمير وبعد ذلك الانفصال كدولة مستقلة عام .1991
وعلي النقيض من ذلك نري مرور مصر بحقبة طويلة من الصراع مع الجهات المعادية والباغية لاحتلال مصر ومناطق الشرق الأوسط منذ عهود الهكسوس والتتار والرومان واليونانيين ثم العهد القبطي والإسلامي والفاطمي والعثماني والاحتلال الإنجليزي وما صاحبه من آثار في تلك المراحل التاريخية.
ولقد بدأت تظهر اللغة البيلاروسية خلال القرن الثالث عشر الميلادي وتلي ذلك اندماج بيلاروسيا وليتوانيا لتكوين قوة أوروبية في العهد الروماني وبعد انتصارهم عام 1410 علي القوي المعادية عاشت بيلاروسيا في فترات سلام تم خلالها تعميق الأعمال الثقافية والإنشائية والعلمية خاصة مع بداية القرن السادس عشر.
وتشترك مصر وبيلاروسيا في وصول الغزو الفرنسي أيام نابليون إلي أراضيهما وبروز مقاومة الشعبين للجنود الفرنسيين حتي هزيمتهم وخروجهم من أراضي الدولتين. وواجهت مصر وبيلاروسيا خلال القرن العشرين معارك حربية متعددة حيث تم غزو بيلاروسيا خلال الحرب العالمية الأولي ودارت المعارك بين روسيا وبولندا علي أراضي بيلاروسيا. بينما تم تدمير معظم مدن بيلاروسيا تدميراً كاملاً خلال الغزو الألماني في الحرب العالمية الثانية خاصة مدن برست ومينسك نظراً لأن بيلاروسيا كانت من أولي جمهوريات الاتحاد السوفيتي تواجه الجيش الألماني بعد بداية الغزو.
وواجهت بيلاروسيا كارثة كبيرة خلال القرن الماضي أثناء كارثة تشيرنوبل النووية وتأثيرها السلبي علي كثير من سكان بيلاروسيا.
وعلي التوازي نري مواجهة مصر لعدة حروب مع إسرائيل والدول الاستعمارية شاملاً حرب فلسطين 1948 وحرب 1956 من خلال العدوان الثلاثي لفرنسا وإنجلترا وإسرائيل ثم حرب 1967 وعام .1973
ولقد تم إعلان استقلال بيلاروسيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولي في 25 مارس 1918 ولكن لم تنعم بهذا الاستقلال حيث أصبحت إحدي الجمهوريات السوفيتية عام 1919 واستمرت كذلك حتي عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وإنشاء دولة بيلاروسيا المستقلة.
وبمقارنة الوضع الحالي للدولتين نجد أن إجمالي سكان بيلاروسيا حوالي 9.5 مليون نسمة وسكان العاصمة مينسك 1.9 مليون نسمة وينتشر السكان في جميع أنحاء الدولة كلها التي تتراوح مساحتها بحوالي مائتين وسبعة آلاف كيلومتر مربع والتي تقدر بحوالي 1/5 إجمالي مساحة مصر التي تقدر بحوالي مليون كيلو متر مربع منها حوالي 150 ألف كيلو متر مربع صالحة للإسكان. وهنا يظهر الخلل السكاني بمصر حيث يعيش 96 مليون فرد علي أقل من المساحة التي يعيش عليها 9.5 مليون نسمة بدولة بيلاروسيا.
وبمقارنة مساحة الأراضي المنزرعة بالدولتين نجد أن إجمالي المساحة المنزرعة في بيلاروسيا حوالي 21 مليون فدان لصالح 10 ملايين نسمة بينما نجد للأسف وبسبب ندرة مياه الأمطار ونهر النيل أن مساحة الأرض الزراعية في مصر ثمانية ملايين فدان لصالح 96 مليون نسمة وهي نسبة منخفضة جدا ويؤكد ذلك الخلل الواضح في القدرات الإنتاجية الزراعية المصرية وحجم الاستيراد المصري المتزايد من المنتجات الزراعية الاستراتيجية.
وبالتالي فإن نداء السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن مواجهة المشكلة السكانية والكثافة السكانية العالية خاصة بعد نتائج التعداد السكاني الجديد ومعدل زيادة السكان السنوي بمصر والذي لا يقل عن 2.56% ما هو إلا أهم نداء يجب أن نعمل جميعا علي تنفيذه. لأن مفتاح التطور في بيلاروسيا بالرغم من التدمير الكامل لكل مدنها وقراها خلال الحرب العالمية الأولي والثانية هو اجتهاد السكان في العمل الإنتاجي والانخفاض الواضح في معدل زيادة السكان الذي أدي إلي ثبات عدد سكان الدولة منذ عشرات السنوات دون تغيير ونظرا للانتشار الأفقي نلاحظ الكثافة السكانية المنخفضة حيث كنا نسير في الطرق الرئيسية والفرعية بين مدن الدولة ونلاحظ انخفاضاً كبيراً في عدد السيارات المتحركة. وتتميز بيلاروسيا في الانتشار الواسع لسكان الدولة داخلها وعلي حدودها.
والمقارنة الثانية التي في صالح دولة بيلاروسيا هو ارتفاع مستوي الجمال المعماري والإنشائي ومستوي النظافة بالشوارع والمدن والأقاليم والقري. ويرجع ذلك أساسا للسلوك الحضاري لأهل الدولة حيث لا يلقي المواطن بأي قمامة أو أوراق أو مستهلكات بالشوارع أو الحدائق أو علي ضفاف الأنهار والترع. ولذلك لابد من الاسترشاد بنجاح بيلاروسيا في منظومة النظافة.
والحق يقال بأن المستوي المعماري للشوارع والمباني في مدينة مينسك عاصمة بيلاروسيا والتي تم إعمارها بواسطة مجموعة المعماريين الذين قاموا بتعمير مدينة سان بطرسبرج بروسيا لا يمكن مقارنته بأي عاصمة أخري. وهنا نري أهمية قيام المسئولين عن إنشاء وتشييد العاصمة الإدارية الجديدة بالاستفادة بما تم خلال تعمير مدن بيلاروسيا بعد الحرب العالمية الثانية والاسترشاد بها أثناء تنفيذ أعمال العاصمة الجديدة.
وبقراءة التاريخ نجد دهاء الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية حيث اتفقوا بعد الحرب العالمية الثانية علي استمرارية انضمام العديد من الدول إلي الاتحاد السوفييتي مثل بيلاروسيا ولاتفيا وليتوانيا وأوكرانيا بغرض استنزاف أمواله في إعادة بناء وتعمير مدن وقري هذه الدول التي تم تدميرها تدميرا شاملا خلال الغزو الألماني وبعد ذلك فصلها خلال عامي 1991 و.1992
ومن زيارة عدة مواقع في بيلاروسيا نجد ارتفاع مستوي انتماء الأهالي لوطنهم وإظهار مقاومة شعب بيلاروسيا وجيش الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الأولي والثانية ضد المعتدين وبناء عشرات المتاحف في ربوع الدولة التي توضح أسطورة المقاومة أثناء اجتياح القوات الألمانية لأراضيهم.
وهنا نؤكد أهمية توثيق التاريخ المصري المشرف ومقاومة الشعب المصري ضد الغزاة والمحتلين منذ مئات السنوات وحتي الآن وأهمية استيعاب شبابنا للتاريخ القديم والمعاصر وأسلوب تعميق الانتماء للوطن حيث يوجد فرق بين الدولة والوطن.
أمنيتي في الحياة رؤية شباب مصر ونظافة شوارع مصر والترع والمصارف والجمال الإنشائي والمعماري مثل ما رأيته في بيلاروسيا. والحق يقال وبدون نفاق أن ما يعمله الرئيس عبدالفتاح السيسي من خلال إنشاء المدن الجديدة بالمستوي المعماري المتميز والطرق الرئيسية والدائرية والكباري والأنفاق ومشروعات مترو الأنفاق ما هو إلا جزء من رؤيته لتطوير مصر حتي تكون مثل الدول الأخري المتقدمة. ولكن مطلوب بذل المجهودات المتعددة في مجال منظومة التعليم والمعرفة وامتلاك التكنولوجيا لتربية أجيال من الشباب ذوي علم ومعرفة عالي المستوي ومتقدم.