صلاح الحفناوى
التربية والتعليم.. ومنطق "التسلية"!
يبدو أن التربية والتعليم تتعامل مع الآراء والأفكار المخالفة لتوجهاتها.. بمنطق "خليهم يتسلوا".. ولأننا نعشق التسلية فسوف نواصل أحاديت التسالي حتي يمن الله تعالي علينا بنظرة من الوزير أو بتغييره.
والتسلية هذه المرة من نوع الكوميديا السوداء التي لا أظن أن معالي الوزير شاهد فصولها.. وهي تقودنا إلي مشهدين معبرين يختصران حال نظامنا التعليمي الفاشل : الأول في بداية العام الدراسي.. والثاني في نهايته.
في مشهد البداية نشاهد مئات الطلاب يقفزون من فوق أسوار المدراس هربا من جحيم اليوم الدراسي.. ونشاهد أحد نظار المدارس يجلس فوق سور مدرسته ممسكا بعصا لمنع الطلاب من القفز العالي فوقه.. أما مشهد النهاية فينقلنا إلي ما بعد امتحانات نهاية العام.. حيث يتجمع مئات الطلاب أمام المدارس في حفلة حرق كتب المناهج الدراسية.
المشهدان يعبران عن حال تعليمنا الموقر.. فالبيئة المدرسية أصبحت طاردة.. واليوم الدراسي أصبح كئيبا مملا يدفع الطالب إلي الهروب بكل الوسائل.. سواء بالغياب أو بالقفز من فوق الأسوار.. والمناهج عقيمة مليئة بالتجهيل والحشو والتعقيد حتي اصبحت العلاقة بينها وبين الطالب علاقة كراهية واحساس بالقهر يدفعه إلي حرق الكتاب المدرسي انتقاما..وبدلا من أن نتعامل مع هذا الواقع ونبحث له عن حلول.. تتفتق أذهان العاملين في الوزارة عن اقتراح عبقري يجعل الثانوية العامة ثلاث سنوات بالتمام والكمال بدلا من سنة واحدة تذوق فيها الاسرة والطالب كل أشكال المرار الطافح.
في النظام التعليمي خلال حقبة الستينيات.. تعلمنا في المرحلة الابتدائية كيف نصنع الصابون وكيف ننتج أنواع المربي من فاكهة الموسم.. كنا نزور الأهرامات والقلعة والمتحف المصري وغيرها من المعالم التاريخية والأثرية لنتعرف علي منهج التاريخ علي الطبيعة.. كان طلاب المدارس الريفية يخرجون إلي شواطئ الترع ليشاهدوا البط والأوز وهو يدهن جسمه بمادة دهنية لتساعده علي الطفو أثناء العوم كما درسنا في مادة العلوم.. كنا نمارس الكثير من الانشطة الفنية.. تمثيل وموسيقي وخطابة وكشافة وأنشطة رياضية وشعر بالاضافة إلي الأنشطة العلمية.. كانت الفتيات يتعملن فنون الطهي في حصص التدبير المنزلي ويقمن بطهي وجبات يكون تناولها أو توزيعها عليهن بمثابة مكافأة.
كانت هناك جماعات للتمريض والعلوم والشرطة والشعر والفنون التشكيلية.. كان هناك دوري المدارس الذي تحتدم فيه المنافسات الشريفة ويفرح فيه الطلاب بالنتائج.. لم يكن اليوم الدراسي في مراحل التعليم الثلاث كئيبا قاتما كحاله اليوم.. كان الطلاب يكتسبون خبرات حياتية وعملية جنبا إلي جنب مع دراسة المناهج البسيطة المبسطة المؤثرة الفعالة.. وكانت المناهج تتناسب مع سن الطالب وقدراته الذهنية.. لذلك كانت هناك علاقة حب بين الطالب وبين المدرسة والمناهج والأساتذة.. علاقة حب ترسخ قيم الانتماء للوطن.
الطالب كان يلتحق بكلية الطب بمجموع لا يتجاز الثمانين بالمائة ولكن كان مستواه التعليمي وخبراته الحياتية ومنظومة القيم التي يتسلح بها تفوق عشرات المرات مستوي وخبرات الحاصلين علي 100 بالمائة في ثانوية اليوم.
الحل ليس في جعل الثانوية العامة ثلاث سنوات ولا في اضاعة الوقت في محاربة الدروس الخصوصية.. وهي قضية خاسرة لن يستطيع الوزير ولا مجلس الوزاء حلها.. الحل ليس في الغاء الكتاب المدرسي والغاء الشهادة الابتدائية.. الحل من وجهة نظر محايدة هو العودة الي تعليم الستينيات.. ذلك التعليم الذي كان يكسب الطالب من المهارات الحياتية ما لا يقل عن المعارف العلمية.. فلا تضيعوا الوقت فيما لا طائل من ورائه.