يُحكي أن نسراً كان يعيش علي قمة جبل ويضع عشه علي إحدي الأشجار، كان بالعش أربع بيضات. ذات يوم عاصف حدث زلزال، علي إثره سقطت بيضة من عش النسر وتدحرجت فاستقرت في قن للدجاج. تطوعت دجاجة عجوز للعناية بالبيضة حتي تفقس، ولما فقست البيضة خرج منها نسر صغير جميل، لكن هذا النسر بدأ يتربي علي أنه دجاجة، وفي أحد الأيام وفيما كان يلعب في ساحة قن الدجاج، شاهد مجموعة من النسور تحلق عالياً في السماء، فتمني لو يستطيع التحليق عالياً مثل هؤلاء النسور، لكنه قوبل بضحكات الاستهزاء من الدجاج الذين عايروه: ما أنت إلا دجاجة ولن تستطيع التحليق عالياً مثل النسور. بعدها توقف النسر عن حلم التحليق في الأعالي، وآلمه اليأس ولم يلبث أن مات بعد أن عاش حياة طويلة مثل الدجاج.
الحكاية موحية بقدر ما هي مؤلمة، ذلك أن النسر ورغم الزلزال الذي ضرب حياته وغير مصيره، لم يستطع أن ينسيه ما جبل عليه منذ كان بيضة، فراحت نفسه تهفو إلي حياة النسور ويؤلمه ما فرض عليه من حياة الدجاج. تلك طبيعته، وهذه حقيقة خلقته، لكنه بقدر حلمه في العودة لحياة النسور لم يكن قوياً بقدر يمكنه من مقاومة إحباط الدجاج له، وعندما خارت إرادته واستسلم لما فرض عليه، كان طبيعياً أن يموت، ذلك أنك إذا لم تكن قادراً علي تحقيق حلمك ومشيئة خلقك، فأنت رهن للظروف تتلاعب بك وتضعك حيث لا تريد. شيء من هذا يصدق علي الفرد كما يصدق علي كل كيان ينبض بالحياة، وسواء كان كياناً طبيعياً أو شخصية اعتبارية بما فيها الدولة نفسها، وأي دولة، عليها أن تختار ما بين حلم النسور والصقور فتحلق عالياً، أو حياة الدجاج في حظيرة، فتقعد منها الهمة ويتضاءل الطموح وتتصرف كما الدحاج ينتظر من يلقي له ببعض الحب فقط ليعيش في أضيق الحدود، لا لكي يحيا حياة عريضة واسعة.
ومن أسف أن كثيرين من إعلاميينا استمرأوا حالة التدجين، فتصوروا أنهم دجاج في حظيرة محدودة يدافعون عن أفراخهم الصغيرة ولا يطمحون في حياة الصقور والنسور، ينظرون تحت أقدامهم حيث الحبوب التي تقيم أودهم وكفاهم هذا طموحاً، ضعف الطالب والمطلوب. شيء من ذلك تجلي في معركة اليونسكو، حيث أخذتهم طبيعة الدجاج فراحوا ينقرون الحب ويتصاغرون ويصغرون معهم دولة عريقة صنعت حضارة ضاربة جذورها في التاريخ، لكن لأن طموحهم لا يعدو طموح الدجاج وطبيعته، فقد شغلوا أنفسهم بصغار الأمور فغابت عنهم كبارها. وضعوا نصب أعينهم منافسة قطر ومرشح قطر فراحوا يولولون: قطر تستخدم سلاح المال سياسياً وترشي سفراء الدول أعضاء المجلس التنفيذي لليونسكو ليصوتوا لمرشحها. وهي رؤية قاصرة قزمتهم أكثر مما هم، فظهروا صغاراً محدودي الكفاءة، وصغرت أفعالهم وأقوالهم من قيمة وقدر مصر. ومن أسف أن شاركتهم بعثتنا الدبلوماسية والثقافية للترويج لمرشحة مصر السفيرة الدكتورة مشيرة خطاب التي ظلمها الترشيح وظلمتها حملتها التي لم تتعلم من أخطاء انتخابات اليونسكو منذ ثماني سنوات حيث خذلوا بتصرفاتهم غير المدروسة فاروق حسني وزير الثقافة صاحب الشخصية المرموقة دولياً كفنان معروف عالمياً ولقد شاهدت في العام 1991 معرضه الفني في الولايات المتحدة الأمريكية وكيف كانت النظرة من المؤسسات والمثقفين والفنانين الأمريكيين له كفنان عالمي مهموم بالفن والثقافة.
عندما تضع سقفاً محدوداً لتطلعاتك في محاربة مرشح قطر، فقد قزمت دولتك وتدنيت بمستوي رصيدها التاريخي الرفيع لمنافسة دويلة صغيرة لم يعرف عنها حركة ثقافية نشطة في بلادها رغم أنها رقم تسعة ونحن رقم 139 من بين مائة وأربعين دولة في مستوي التعليم الأساسي، ورغم أن مرشحها حمد الكواري مثقف رفيع المستوي خريج جامعة القاهرة وحاصل علي الدكتوراة في العلاقات الدولية من الولايات المتحدة الأمريكية وزوجته مصرية وعمل وزيراً لثقافة بلاده وسفيراً في عدة دول أوروبية كبري.
في الوقت الذي كنا ننافس فيه علي قيادة أكبر هيئة ثقافية دولية، كان بعض الدجاج في حكومتنا وبعض محافظينا يغلقون المكتبات العامة، وياله من قصور نظر، ويالها من عدم كفاءة تتجلي تداعياتها في المحيط الدولي لتضرب توجهات دولتنا العريقة وتنال من موقف مرشحتها. إن الدجاج الرسمي في حظيرتنا وبعثتنا الدبلوماسية لم يكن علي مستوي الحدث، حتي أن أحدهم أحرج مصر الكبري قلب العروبة النابض بهتاف ضيق الأفق: لا لقطر وتحيا فرنسا، فرد عليه المندوب القطري: تحيا مصر وتحيا الأمة العربية.
يا سادة مصر أكبر من كل الدجاج في إعلامها الذي راح يلطم الخدود ويشق الجيوب، ناسين أن مصر صقر محلق في السماء ولا يصح أن يضعوها في حظيرة الدجاج.