هما مبتدأ وخبر.. وبينهما ستشعر أنك تحولت إلي جملة مفيدة. جمعتني بهما جلسة في مراكش التي يلقبونها بالحمراء فتتكهرب بلونها.. احتفالات ورقصات وصخب. أو هدوء يرفق بتأملات ويحيلك للأبيض كسحابة. كل شيء موجود في المغرب مما طرح السؤال داخل رأسي.. لماذا لم أرقص مثلهم.. ولم صليت معهم.
سأصف لك المكان قبل وصف البشر.. فقد يتأثر الناس بالأرض أو انه الوطن الذي يصنع ناسه.
بداية زيارة المغرب كانت من أغادير.. مدينة جميلة أول خاطر يصلك من اسمها.. الزلزال. فقد هزها ودمرها. وأقاموها من جديد. وأسموها بهذا الاسم الذي يعني مكان التخزين.. الذي استعدوا به خوفا من زلزال جديد بحمد الله لم يأت.
وأغادير تشبه الجونة في الغردقة.. أو بعض شواطيء الساحل الشمالي. قوارب ويخوت وماء وخضرة لا ينقصهما الوجه الحسن.. وهوا المصايف.. والدنيا الحلوة.. وصباح هاديء ينسي ما كان في المساء.. ليتمكن من أداء.
فأهل المكان يعرفون للعمل حقه ووقته. وفي الليل لهم السهر. علي شاطيء وماء يبتلع الهموم ويقتل المعاناة. ومهما كان حملك الذي استقوي عليك وواصل معك رحلتك.. ستصلك موجة تمدك بثقة.. فتلقي إليها بما فوق ظهرك ويبتلعه.. محيط.
سحر
سحر الطبيعة لن يشغلك عن منظر البشر.. بعد أن خلعوا مشاكلهم وتركوها علي "الشط" وصاروا بغير معاناة.. فكانوا أمامي كرواد فضاء غادروا الجاذبية الأرضية. يطيرون.. يهيمون.. يسبحون في ماء أو هواء.
لم أدرك لماذا يضحكون.. فضحكتهم أكبر مما عرفت عن الفرحة.
سألتني صديقتي في الرحلة وهي أستاذة جامعية. نفس السؤال الذي وجهته لي ابنتي ونحن نقضي أيامنا في "أشطورة" برأس سدر داخل مصر. قالت صديقتي.. هما بيعملوا ايه.. يرقصون أو يترنحون.. هذا هوالوعي أو غيابه. هل نحن الصح أم.. هم. وكما أجبت الابنة علي ساحلنا. كان ردي للصديقة هناك.. إنه أسلوب حياة. ولكل قراره وأسلوبه ومبتغاه.
سجدة
أكثر من خمس ساعات نقلتنا إلي مراكش.. لأستقر بين اثنين بدأت بهما.. المبتدأ والخبر. تساؤلات جالت بخاطري.. كيف اندمجت سريعا في هذا العبق والسطور والنغمات. ولماذا لم أرقص مع من رقصوا. وها آنذا أصلي مع الساجدين. انها الإجابة الثانية علي ابنتي وزميلة رحلتي.. فإن تمايلت مع الراقصين فهو هوي ذاتك. ولو ازددت اقترابا من بيت شعر ونغمة عود.. فهي لك. ولكل متعته الخاصة في الحياة.
..وخبر
اخترت البقاء بين المبتدأ والخبر. لأكون كما يحلو لي أن أكون. أولهما الشاعر "اسماعيل زويريق" صاحب المائة وستين كتاباً. سبعيني العمر.. قوي الخطوة واثق اللغة. سخر حياته لأسرته وشعره أيضا. فكتب ينصح ابنه الأكبر "قلت لابني ذات يوم طلب العلم عبادة.. فرد يا أبي في المال ما يربو علي ألف شهادة". وهاجر الابن فؤاد إلي هولندا وكون أسرة. وظل الأب يعيش الحنين للابن المهاجر.. واحتواء البنات والأبناء القريبين في السكن والدار. إنه الشاعر الذي يملأ المقهي الثقافي الذي أدمنت التواجد داخله.. بالأدباء. ويحيله إلي واحة للشعر والأدب..والموسيقي والعود وفيه متسع للفن التشكيلي. وصاحب المقهي عليه الكلام.. "محمد الحسن الشاوي". انه منعش عقاري أو ما نسميه رجل أعمال. ثم منعش ثقافي أو مثقف وفنان وفق لغتنا.. أنشأ مشروعه وهو المقهي الثقافي وله هذه المقولة.. أغذي الروح بالكلمة والنغمة واللوحة وهذه سعادتي. وأغذي الحياة بما أكسبه من مشروعات ومال يأتي من عمل. فالمقهي متعة العين والأذن وساعة الصفاء. أما البناء والعمارة فهي ضرورة الجيوب. ولمحمد الحسن أسرة هي الأغلي.
مرت أيام مراكش.. بأشعارها والعود.. والقلب يعشق كل جميل.. وأبيات وأفكار لا أنساها. واثنين لم أدر أيهما المبتدأ ومن له.. الخبر.
سعادة
في بهو المقهي الثقافي صور لملوك ورؤساء زاروا المكان.. وشعراء وأدباء وموسيقيين وفنانين..ومن أجمل ما حدث لي.. اني قبل أن أغادر المكان.. كانوا قد التقطوا لي صورة ووضعوها وسطهم.